خيبة مريرة: فشل اليسار المناهض لليبرالية
كانوا متأكدين. لقد اعتبروا «الرفض اليساري» أثناء استفتاء 29 أيار 2005 على الدستور الأوروبي طليعةً لإعادة تكوين في اليسار. الوثبة الالتفاتية نحو توحيد النقاشات بين التيارات التي كانت حتى ذلك الحين تنظر إلى بعضها شذراً، التحرك المجتمعي المدهش، كلها فتحت فضاءً لليسار في الحزب الاشتراكي. وجاء الانتخاب الرئاسي ليقدم لهذه التيارات الفرصة كي تجسد هذا الفضاء. بعد عامين، تلقت خيبةً مريرة. فقد نال المرشحون الخمسة من اليسار الراديكالي- أوليفييه بيزانسينو (الرابطة الشيوعية الثورية) وماري جورج بوفيه (الحزب الشيوعي) وآرليت لاغييه (النضال العمالي) وجوزيه بوفيه وجيرار شيفاردي (الذي يدعمه حزب العمال)- أقل حصيلة نالها هذا التيار منذ خمسة وعشرين عاماً: 9 بالمائة فقط. وللمقارنة، فقد نال 13.8 بالمائة في العام 2002.
إذا كان السيد بيزانسينو قد تمكن من الخروج من الانتخابات بنتيجة مقبولة (4.08 بالمائة)، فقد حصل عليها بتطبيق إستراتيجية رفض المسيرة الوحدوية، التي أشيد بها قبل بضعة أشهر، وبتأكيد ترشيح احتجاجي على خلفية سياسية ثابتة.
مع ذلك، بدا في أيار 2005 أنّ الأبواب مفتوحة أمام هذا التيار اليساري الذي ضم الحزب الشيوعي والرابطة الشيوعية الثورية وأقليةً من الخضر وأعضاء في الجناح اليساري من الحزب الاشتراكي ومناهضي العولمة ونقابيين واتحاديين. لقد تقاسموا معاً نفس المنابر وناضلوا معاً، لعدة شهور، ضد دستور اعتبروه «ليبرالياً جديداً»، فاكتشفوا أنّ لديهم نقاطاً مشتركة أكثر مما كانوا يظنون. وتذوقوا معاً سحر الصالات المليئة وشعارات المسيرات والتأييد الشعبي التي لم يكونوا يتوقعونها. وكانت النتيجة على الموعد: انتصرت «اللا»، وكان لليسار الغلبة في ذلك التصويت. لم يكن ما تبع ذلك إلا مواعيد فاشلة ووعوداً لم يجر الوفاء بها وخيبات غرامية. في تشرين الأول 2005، وقّع على أول نداء لتقديم ترشيح وحيد لليسار في الحزب الاشتراكي، عددٌ من المعارضين للدستور وكذلك منظمتان، الحزب الشيوعي الفرنسي والرابطة الشيوعية الثورية. نص النداء على أنّ «شيئاً لن يكون أسوأ من التشتت» في الانتخابات الرئاسية. قبل ذلك بشهر، التقى «نادي الخمسة»- السيدة بوفيه والسيد بيزانسينو والسيد بوفيه وفرانسين بافاي (الخضر) وجان لوك ملينشون، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الاشتراكي ومقدم برنامج من أجل جمهورية اجتماعية- في عيد صحيفة الأومانيتيه. حدثت أول صعوبة في العمل بين التيارات منذ كانون الثاني 2006، حين قدّم مؤتمر الرابطة الشيوعية الثورية أول بيادق ترشيح لبيزانسينو، حين شكّت المنظمة التروتسكية بأنّ حلفاءها يرغبون في التحالف مع الحزب الاشتراكي.
وفي آذار، جاء دور مؤتمر الحزب الشيوعي الفرنسي لـ«إخضاع» ترشيح السيدة بوفيه «للنقاش». المنظمتان تعلمان مع ذلك جيداً بأنّ مرشحاً عن حزب سياسي ليس له أي حظّ في الحصول على تأييد حلفائهما. في أيار 2006، لم ينل النداء الثاني، الذي وقعته شخصيات من الحركة الاجتماعية، أي مساندة سوى من الحزب الشيوعي، وانسحبت الرابطة الشيوعية الحمراء على رؤوس أصابعها، كي تحسم الأمر في أواخر حزيران وتطلق بطلها.
لا يهم! فإنّ «النادي» تابع وهو يقسم بأنّه «يلعب الورقة الرابحة» هذه المرة. تؤكد شخصيات متباينة مثل إيف ساليس، من مؤسسة كوبرنيكوس وباتريك كوهن سيت، الذراع الأيمن للسيدة بوفيه، بأنها تستطيع والتشخيصات في يدها الوصول إلى «نتيجة تصويت لا تقل عن عشرة بالمائة». بل إنّ السيد بوفيه يدافع عن فكرة أنّ اليسار المناهض لليبرالية الجديدة يستطيع «التواجد في الدور الثاني». الهدف مرسوم: «مزاحمة الحزب الاشتراكي على السيطرة على اليسار». لكن ما من برنامج سياسي موحّد حقيقي.
جرت كتابة مسودة برنامج مشترك- «المقترحات المائة وخمسة وعشرون»، وكاتالوغ إجراءات ينبغي أن تتخذها حكومةٌ «مناهضة لليبرالية»- في أيلول. لكنه مجرد تجميع لشتات برامج، يؤكد كلٌّ منها على «مناظره». الخليط لا يدفع للحلم. فإذا كان العديد من غير المنظّمين يلتحقون بالهيئات، فإنّ «الديناميكية الشعبية» المذكورة لا تزال رهن المستقبل.
منطق الجهاز
بدأ حينذاك سباقٌ تباطؤي غريبٌ لتعيين المرشح الواحد. فعلاوةً على السيدة بوفيه، أعلن السيد بوفيه بأنه «جاهز» واقترح انتخاباً أولياً لمنع تقسيم الأنصار، قبل أن ينسحب وهو يدين «مناورات الجهاز»، لكنه كان مدركاً أيضاً بأنّ اسمه لا يحظى بالإجماع. وأعلن ثلاثة مرشحين آخرين- نائبة رئيس بلدية باريس كليمنتين أوتان والنائب الشيوعي باتريك براوزيك وإيف ساليس- عن ترشيح أنفسهم، «للخروج من المأزق»...
في تلك الأثناء، عزز الحزب الاشتراكي موقع سيغولين رويال، فبدأت حملتها. في نهاية تشرين الثاني، أطلق الحزب الشيوعي الفرنسي ترشيح «ماري جورج بوفيه» بعد أن فشلت في فرض نفسها على الهيئات المحلية. بدا الشوط منتهياً، لكن في مطلع كانون الثاني، تم انتخاب السيد بوفيه عبر عريضة على الشبكة العنكبوتية، فتقدم لترشيح نفسه، مؤكداً بأنه «صلة الوصل». وهكذا، بوجود ثلاثة مرشحين يقدمون أنفسهم بوصفهم ينتمون لنفس التيار- «الرفض اليساري» ـ توفرت كل عوامل الفشل الذريع.
إذا ما تجاوزنا معارك الذات، كانت الحملة خاسرةً. لقد لعب منطق الجهاز دوره: لم يكن الحزب الشيوعي الفرنسي ولا الرابطة الشيوعية الحمراء يرغبان في التخلي عن دورهما، إذ كان كلٌّ منهما مقتنعاً بأنه «يجسد» على أفضل حال «ديناميكية (لا الرفض) الرائعة». ربما كانت الموسيقى ستختلف لو أنّ أحداً لم يرغب في أن يوزع الأوراق بنفسه. لكن حتى في تلك الحال، لم يكن هذا اليسار سيتمكن من إقلاق لعبة الحزب الاشتراكي إقلاقاً كافياً. فقد تجلى الخطأ في كل تركيبه السياسي الأولي: لم تكن «لا» استفتاء التاسع والعشرين من أيار 2005 «لا، يسارية»، بل «لا باتجاه اليسار». لم يكن هذا التعبير عن رفض أوروبا ليبرالية يمثل قاعدةً سياسيةً كافية لبناء «بديل ذي مصداقية»، مثلما كانوا يتمنون جميعاً. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، التفت «الرافضون» إلى مراجعهم السياسية المعتادة، وعلى رأسها الحزب الاشتراكي.
تقاسم هذا الخطأ كلٌّ من الحزب الشيوعي والرابطة الشيوعية الحمراء ومختلف تيارات هذا اليسار الراديكالي: لقد اعتقدوا جميعاً بأنهم يرون في هذا التصويت الرافض لليبرالية انضماماً لمشروع راديكالي. وحدها السيدة لاغييه، مستندةً إلى ارتيابها من «تصويت عائم سياسياً»، حذّرت من مثل هذا الاختزال. وفي الثاني والعشرين من نيسان، أعطى معظم «الرافضين» اليساريين أصواتهم للسيدة رويال، وذلك لعدم وجود مرشح ذي مصداقية: «لم يتمكنوا من الاتفاق»، هذا ما كان يسمع لدى ناخبي هذا اليسار الراديكالي عشية التصويت. لكن أيضاً لأنّ البديل لم يحدد دائماً. سوف يترك الفشل آثاراً، و«الوحدة» لن تتحقق في الانتخابات التشريعية.
■ سيلفيا زابي- لوموند
ترجمة قاسيون