تعددت الأسباب والعدوان واحد

منذ أن دعا جورج بوش لعقد اجتماع دولي حول الشرق الأوسط في الخريف القادم، وبعد أن اتصل هاتفياً بقادة الرباعية العربية لتأمين الدعم المعهود ودون تردد، جاء دور المبعوثين الأطلسيين في النوافذ إلى المنطقة يحملون ذات العناوين والملفات ومحاولات فك حالات الاستعصاء والممانعة، التي تواجه المشروع الامبريالي الأمريكي ـ الصهيوني في لبنان والعراق وفلسطين ومنطقة الخليج وإيران على وجه الخصوص:

1 ـ وزير الخارجية الفرنسي كوشنير مبعوث «الأم الحنون» جال على قادة فريق 8 آذار و14 شباط وجمع معظمهم على مائدته في قصر الصنوبر، وكان ختامها صورة تذكارية مع تجنب الاعتراف بالفشل مباشرة من خلال القول: «كان توقيت الزيارة في غير محله بسبب احتدام الأجواء عشية الانتخابات الفرعية في بيروت والمتن». لكن كوشنير فك عقدة لسانه في القاهرة عندما طالب بالضغط على سورية وإيران لإيجاد حل في لبنان، أي أنه توافق مع السفير فيلتمان في بيروت.
2 ـ باشر عمله في المنطقة مبعوث الرباعية الدولية توني بلير. واللافت أن رئيس وزراء بريطانيا لمدة عشر سنوات وشريك جورج بوش في غزو العراق ودعم الكيان الصهيوني يتذاكى ويستغفل سامعيه عندما صرح في تل أبيب قائلاً: جئت لأستمعَ وأتعرف على وجهات النظر المختلفة حول النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ويبدو أنه لا يعلم شيئاً عن وعد «بلفور».
3 ـ لم يتأخر رئيس وزراء بريطانيا الجديد في تعيين مايكل ادامز مبعوثاً دائماً لبريطانيا في الشرق الأوسط «للتعرف على مشكلات المنطقة عن قرب»، على حد قول الناطق باسم الخارجية البريطانية.
4 ـ وكانت الخطوة الأكثر دلالة في خطورتها على مستقبل المنطقة وشعوبها هي جولة وزيرة الخارجية الأمريكية برفقة وزير الحرب الأمريكي روبرت غيتس في المنطقة حيث كان اللقاء الأول لهما مع وزراء دول الخليج الست + مصر والأردن في شرم الشيخ بعد يوم واحد على إعلان وزراء الخارجية العرب الترحيب بمبادرة الرئيس بوش، وكانت سورية الدولة العربية الوحيدة التي تجرأت وأعربت عن موقفها المخالف «لدول الاعتدال العربي»، بل طالبت الاجتماع بالإعراب عن القلق من استمرار حالة الانقسام التي تشهدها الأراضي الفلسطينية والحفاظ على وحدة الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع المحتلين، وأن أي نقاش لما يسمى بمبادرة الرئيس بوش قبل تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية يعتبر تصفية للقضية الفلسطينية.
... كان واضحاً أن جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب والقرارات التي ستصدر عنه محضرة سلفاً بحيث تسهم في إنجاح جولة رايس-غيتس، بعد الإعلان عن تقديم صفقات تسليحية للكيان الصهيوني وحلفاء أمريكا من الدول العربية بمقدار 63 مليار دولار، منها 30 مليار دولار مساعدات عسكرية للكيان الصهيوني في السنوات العشر القادمة. وها هي رايس تعلن صراحة من شرم الشيخ وكذلك وفي جدة بعد اجتماعها بالملك عبد الله بن عبد العزيز: «ناقشنا القضايا الإقليمية والوضع في العراق ولبنان والنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي مع شركائنا الاستراتيجيين، الذين لن نتخلى عنهم في وجه التهديدات التي يتعرضون لها...»، في حين سارع أولمرت إلى التأكيد أنه تلقى تطمينات من واشنطن لضمان استمرار تفوق «إسرائيل» عسكرياً على الدول العربية.
... وهذا يعني أن واشنطن قد حصرت أهداف الصفقات التسليحية المعلن عنها بمواجهة إيران وسورية وحزب الله. كما أن الإعلان عن صفقات السلاح الجديدة والجهات الموجهة ضدها، يؤكد أن جولة رايس ـ غيتس تعني أن إدارة بوش عازمة فعلاً على توسيع رقعة الحرب في المنطقة بشكل متسارع وباتجاه سورية ولبنان وإيران بالتعاون مع الكيان الصهيوني وما يسمى بدول الاعتدال العربي ضد المقاومة، أي مقاومة وفي أي بلد عربي تعلن مقاومتها للاحتلال سواء في فلسطين أو الجولان، أو لبنان أو العراق.
مثلما يقال: «تعددت الأسباب والموت واحد»، كذلك كثر عدد المبعوثين الأطلسيين والأمريكيين إلى المنطقة ويبقى الهدف استمرار الاحتلال وإخضاع المنطقة كلياً للهيمنة الامبريالية ـ الصهيونية، لكن حسابات الحقل لا تنطبق على حسابات البيدر، لأن هناك مقاومة تتصاعد، وإرادة  سياسية للمواجهة تتبلور، خصوصاً بعد تجربة انتصار المقاومة على  جيش العدو الصهيوني في حرب تموز 2006، وسيأتي اليوم الذي لا تنفع معه كثرة العدة والعدد أمام انتشار ظاهرة المقاومة الشاملة في هذا الشرق العظيم ضد التحالف الامبريالي ـ الصهيوني.