مليون دولار!!! ويرفضها!!

لفتت انتباهي قصة المزارع الفلسطيني محمد شحادة فلاح الذي عرض عليه المستوطنون 100 مليون دولار للتخلي عن أرضه مع الحفاظ على سمعته وإخراجه أمام أبناء شعبه بدور البطل الذي طرد من أرضه بالقوة. إلا انه رفض كل ذلك وفضل أن يكون بطلا بحق وليس كومبارس.

وهنا اقتبس أجزاء من القصة الإخبارية التي نشرتها وكالة رامتان بتاريخ 24/7 «يملك أبو شحادة 35 دونماً في المنطقة عرض عليه بيع الدونم بـ300 ألف دولار وصلت لاحقاً إلى 100 مليون لم تفلح في زحزحته عن تمسكه بأرضه» «هي حياتي وحبي كيف أتركها نهباً لهم» يقول أبو شحادة.
جُنَ جُنون المستوطن وهو يرى إرادته تتحطم على صخرة رفض أبو شحادة وصرخ بأعلى صوته «أنت مجنون.. من يرفض 100 مليون، ستصبح مختار البلد وزعيمها ورجل أعمال وووو»، لكنه، استدرك وقال بهدوء مصطنع «نحن نساعدك في كل شيء، تبيعنا الأرض وبعد عامين يتم استدعاؤك بحجة أن الأرض تمت مصادراتها بينما عشرات المستوطنين مسلحون فيها وتشتبك معهم بالأيدي أمام محطات التلفزة والفضائيات والصحفيين وتنتهي القصة بطردك ويعلم الجميع بطولتك وأنك طردت منها بقوة السلاح.»
وقفت ملياً أمام هذه القصة وورد في ذهني عشرات الأسئلة والاستفسارات، ففي الوقت الذي يشهد المشروع الوطني الفلسطيني التحرري هزات تثير القلق وتراجعا في صدارته بانشغال قوى من المفترض أن يكون هذا المشروع على سلم أولوياتها بصراعات داخلية تزيدنا انقساما وتيها وضياعا وتخبطا.
وبينما نجد في المقابل مشروعاً صهيونياً يسير على نهج مخطط ومحكم، وقادة يصلون لسدة الحكم بمقدار سفكهم لدمائنا وحفظهم (الأمن) لمواطنيهم. وتعزيز بقائهم على أرضنا المغتصبة.
وفي الوقت الذي يدعم فيه المستوطنون بمليارات الأموال لترسيخ وجودهم في الأراضي التي اغتصبوها وسلب المزيد، والكنيست تصادق على قانون لمنع تأجير أو تضمين أراضٍ بإدارة دولة الاحتلال لعرب 48.
فنسأل أنفسنا سؤالاً بسيطاً، ماذا قدمنا للمواطن ليثبت على أرضه؟ ماذا قدمنا لهذا المزارع الكادح، حتى لا تغريه الأموال كما أغرت آخرين، فيبيع أرضه في وقت هو بأمس الحاجة للمال.
لا أظن انه تم دعم أبو شحادة أو أمثاله ولو بكلمة أو رسالة ثناء وتقدير، فانطلق من إيمانه بعدالة قضيته ورسوخ وطنيته، ولكن الأمر الذي يدق ناقوس الخطر هل كل أبناء الوطن أمثال هذا المزارع؟ إن الأمر لا يخلو من ضعاف النفوس، وخاصة في جو لم تعد فيه قضية الاستيطان والأرض والقدس على سلم الأولويات، وغاب الحسيب والرقيب، وأصبح معنى وجود المواطن على هذه الأرض مادياً وليس وطنياً.
وفي ظل أجواء الخلاف والصراع وسيل الاتهامات والترصد لبعضنا نجد أن المواطن يعيش في حالة ضياع وتيه، بل أنه في أحيان كثيرة يخف وزن القضية العادلة التي يؤمن بها في نظره، وتصبح بنظره قضية لا معنى لها، ويصاب باليأس والقنوط.
إن أفضل شكر وتقدير لهذا المزارع وأمثاله من الصابرين الكادحين المتمسكين بطهارتهم الوطنية أن تتوحد كلمتنا وننعش حواراً بناءً وليس عقيماً، ومعالجة أسباب الأزمة التي نمر بها من جذورها حتى لا تتكرر. وما أثبته تاريخ قضيتنا الفلسطينية أن الفصائل بمختلف أيدلوجياتها توحدها المقاومة وتفرقها السياسة، وفي عالم السياسة الخصم يعطي المفاوض بمقدار تأثيره على الأرض.
وفي النهاية لا أتمنى أن يقدم الاحتلال على إجراء حفريات في المسجد الأقصى حتى تزول الغشاوة، ويفيق رفاق الكفاح للعدو الحقيقي ومخططاته المنسقة ذات الأهداف الشمولية.

صدقي موسى كاتب وصحفي فلسطيني