البعد الطبقي في الأزمة البيئية الكونية
يؤكد الفرنسي هيرفيه كيمف، الصحفي في جريدة لوموند الفرنسية ومؤلف كتاب «كيف يدمر الأغنياء الكوكب»، المنشور في العام الحالي، أن «الأزمة البيئية تعبير عن نظام اقتصادي يروج للتبذير ويستهدف الحفاظ على امتيازات ومصالح الأوليغارشية المسيطرة اليوم. وهذه الأخيرة أكثر ثراءً وأقل مسؤوليةً منها في أي وقتٍ مضى من التاريخ الحديث، فهي تغالي في الاستهلاك ولا تلقي بالاً إلى الوضع السائد، وتقلل من خطورته».
وأوضح كيمف في مقابلة أجريت معه مؤخراً أنه أستند في تحليله هذا «إلى عمل الباحث الاقتصادي ثورشتاين فيبلين من أواخر القرن التاسع عشر. حيث شرح فيبلين أنّه بعد أن يتم إشباع الحاجات الحقيقية، يهدف استهلاك المرء بصورةٍ خاصة إلى إظهار المكانة المتميزة، إلى إظهار وضعٍ متفوق مقارنةً مع الأقران، إلى التميز. وما هو صحيحٌ بين الأفراد صحيحٌ أيضاً بين الطبقات، وتميل كل فئة اجتماعية إلى تقليد عادات الفئة التي تسبقها في السلّم الاجتماعي. هكذا تحدد الطبقة الأكثر ثراءً معايير «رهافة العيش». وحين تعرّف الإسراف بأنه المعيار، تقدم نموذجاً ثقافياً مدمراً يحاول المجتمع بأكمله تقليده. إنّ مزيداً من التفاوتات الطبقية يعني أيضاً طبقةً من الأثرياء الفائقين، تقيم نموذجاً من المغالاة في الإنفاق. لقد وصلنا إلى هذا الوضع».
ويتابع أنه «بصورةٍ موازية، يترجم تدهور الغلاف الجوي الذي ينتج عن هذا النموذج بعواقب تثقل قبل كل شيء على أكثر الأفراد فقراً: فلاحو الساحل الإفريقي أو بنغلادش هم الأكثر تأثراً بازدياد حرارة الجو، والسكان المعتمدون أكثر من غيرهم على الأنظمة البيئية هم الذين يعانون قبل غيرهم من خسارة التنوع الحيوي، والطبقات الأكثر فقراً في المجتمعات كافة هي التي تتناول الأغذيةً الأكثر تصنيعاً وبالتالي الأكثر ضرراً وهي التي تعاني قبل غيرها من التلوث الحضري. وعلى عكس ذلك، يمكن للأثرياء أن يحموا أنفسهم من الأضرار البيئية عبر انزوائهم عن المجتمع في أحياء أو مساكن محمية ومكيفة، وعبر تناولهم لمنتجاتٍ غذائية جيدة النوعية، وبتأمين المياه النقية لأنفسهم. إنّ النوعية البيئية للحياة أخذت تصبح أكثر فأكثر دلالةً على التفاوت، وهذا الأخير لا يقاس فقط عبر معطيات تتعلق بالدخل وبالتراث، بل يمكن أيضاً ملاحظته في طرائق العيش».
وعلى الرغم من ذلك قال كيمف إنه يمكن للمرء أن يبقى متفائلاً «لأننا نبدأ أولاً في إيجاد تشخيصٍ واضح للوضع، عبر الربط الواضح بين المسألة الاجتماعية والمسألة البيئية، بعد أن كان الفصل بينهما يعيق الحركة الاجتماعية عبر تقسيمها. وقد أصبح بوسع هذه الحركة الآن أن تتحد في فهمٍ مشترك لمظهري الأزمة الشاملة لعصرنا. ثانياً لأنّ هذا التحليل يرسم سياسة. تنتج الأزمة البيئية عن ضغطٍ مفرطٍ على الغلاف الجوي، عن إفراطٍ في استهلاك الموارد. ينبغي إنقاص هذا الاستهلاك المادي، وأن يكون عادلاً تجاه الأكثر فقراً: استهلاك أقل لتوزيعٍ أفضل».
وأشار الصحفي الفرنسي إلى «أن الطبقات الوسطى لن تقبل بذلك إلا إذا جرى حلّ النموذج الذي تقدمه الأوليغارشية، وإذا أنقصت هذه الأخيرة استهلاكها الخاص إنقاصاً ملموساً. سوف يسمح ذلك أيضاً بنقل الموارد نحو استخداماتٍ اجتماعية وبيئية، وخفضٍ حقيقي للتفاوت الطبقي. لكن بالطبع، لا يمكن إجراء ذلك إلا إذا أصلح «اليسار» نفسه عبر إعادة التواصل مع الطبقات الشعبية. يفترض هذا الأمر «تحديثاً» ـ ليس لتتكيف مع النموذج الليبرالي الجديد، بل على العكس عبر إعادة وضع المسألة الاجتماعية في قلب الاهتمامات، وبصورةٍ لا تنفصم عن الأزمة البيئية. وإذا لم نتوصل إلى هذه الولادة الجديدة لليسار، إذا تركت مؤسساتها نفسها لتقع في شرك قبول الأطر التي تضعها الرأسمالية، حينذاك نستطيع أن نكون متشائمين».