العراق في رمضان السنة الخامسة للاحتلال.. مئات آلاف الضحايا وعشرات آلاف المعتقلين دون محاكمة، والمرتزقة يستبيحون الدم العراقي
مع حلول شهر رمضان المبارك، انتظر الكثيرون أن تتخذ الولايات المتحدة والسلطات العراقية بهذه المناسبة إجراءات لمعالجة قضايا عشرات آلاف العراقيين المعتقلين دون توجيه اتهام أو محاكمة، وذلك في وقت تفجرت فيه في وجه الاحتلال قضية شركة «بلاك ووتر» الأمنية الأمريكية الخاصة على خلفية قيام مسلحيها ومرتزقتها بقتل وإصابة عدد من العراقيين في وضح النهار في أثناء مواكبة هؤلاء العملاء الأمنيين لموكب دبلوماسي أمريكي أوائل الأسبوع الماضي.
تحتجز قوات الاحتلال الأمريكية 26300 عراقي قيد الاعتقال في سجونها بالبلاد بعيداً عن الإجراءات القضائية، رغم أنها أعلنت نواياها (نواياها فقط) لإطلاق سراح 50 معتقل يومياً خلال شهر رمضان، أي 1500 معتقل فقط(!)، في وقت لا تتعدى فيه جملة المواقف الرسمية الأمريكية والعراقية من قضية بلاك ووتر سوى «زوبعة في فنجان» في محاولة امتصاص النقمة الشعبية العراقية على ممارسات وجرائم الجيش السري الثاني العامل في العراق والذي يبلغ تعداده حسب بعض الأرقام 140 ألف مرتزق، ثلثهم من الأمريكيين خريجي السجون وعملاء الموساد الإسرائيلي.
لكن ما يسمى بالقوات المسلحة وقوات الشرطة تمارسان أيضاً، وعلى نحو أوسع، هذه الإجراءات غير القانونية باعتقال العراقيين ورميهم في السجون دون اتخاذ إجراءات قضائية بحقهم.
وتقول مصادر مطلعة بوجود أكثر من 82 ألف معتقل عراقي في سجون حكومة الاحتلال في بغداد. وفي حين أطلقت سراح أكثر من 300 إيراني من سجونها قبل زيارة (المالكي) رئيس حكومة الاحتلال إلى إيران، فإنها أعلنت عن موافقتها على إطلاق سراح 200 معتقل عراقي فقط بمناسبة حلول شهر رمضان!
الجدير بالذكر أن أغلبية هؤلاء المعتقلين انتزعوا من عائلاتهم أثناء حملات مداهمات المنازل الجارية أو تعرضوا للاعتقال العشوائي خلال الحملات العسكرية أو اعتقلوا في نقاط التفتيش سيئة الصيت.
وكذلك فإن لشمال العراق سجونه الخاصة به لاعتقال المناوئين. تم إطلاق سراح آلاف المعتقلين من سجون هذا الإقليم ممن ينتمون إلى محافظة الموصل، رغم أن هذه المحافظة لا تدخل ضمن الإقليم الكردي.
من جانب آخر وفي تحليل كتبه باتريك مارتن نشرته شبكة أوروك تحت عنوان «السكوت الأصم حول تقرير عدد قتلى المدنيين العراقيين في ظل الاحتلال» جاء أن تقريرا موجزاً صدر يوم 14 أيلول لحصيلة مسح أجرته منظمة استطلاع الرأي البريطانية ORB. تضمنت هذه الحصيلة مقتل 1.2 مليون من المدنيين العراقيين في ظل الاحتلال الأمريكي للبلاد.
ويؤكد الكاتب أن هذا الرقم المتصاعد يكشف حقيقتين سياسيتين: أولاهما أن الحرب الأمريكية على العراق قادت إلى كارثة إنسانية تاريخية فريدة تتجاوز حتى كارثة مذابح راوندا لعام 1994.. وثانيتهما إن هؤلاء ممن يصطفون مع الإدارة الأمريكية ضد الانسحاب الأمريكي من العراق بزعم أنه قد يقود إلى حرب أهلية ومذابح، يخفون عن قصد حقيقة أن حمامات الدم هذه قائمة ومستمرة منذ بداية الاحتلال!
وجاء رد الفعل تجاه تقرير ORB في الولايات المتحدة ومكنتها الإعلامية بالصمت المطبق. فبعد نشر التقرير نهار الجمعة في بعض الصحف، لم يحظ بأية تغطية مساء نفس اليوم في أخبار الشبكات التلفزيونية ولم تصدر أية ملاحظة من قبل بوش وبيته الأبيض، البنتاغون أو إدارة الخارجية. وكان أيضاً محل تجاهل مطبق من قبل مرشحي الرئاسة للحزبين.
وبينما كشف رئيس مجلس إدارة البنك الاحتياطي الأمريكي السابق آلان غرينسبان في مذكراته الصادرة مؤخراً عن حزنه «لأنه من غير الملائم سياسياً الاعتراف بما يعرفه كل واحد: بأن الحرب على العراق كانت، إلى حد كبير، من أجل النفط»، تشدق السيناتور الديمقراطي جون كيري المرشح للرئاسة بالقول إنه «سوف يستمر بتمويل القوات لحماية مصالح الأمن الوطني الأمريكي بغية إنجاز المهمة وحماية قواتنا. لا نقترح الفشل...»..
وماذا تعني متابعة «النجاح» في ظروف مقتل 1.2 مليون مدني عراقي في ظل الاحتلال الأمريكي، حسب التقرير؟ إنه يعني الاستمرار في تدمير البلاد لغاية نجاح الرأي العام الأمريكي والطبقة العاملة للتدخل ووضع نهاية للاحتلال.. (وهو يعني أيضاً وأولاً استمرار المقاومة الوطنية العراقية لغاية طرد المحتل)..
• ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد