كلف الحرب... السبب الخفي لأزمة التمويل العقاري الأميركي
ينشغل الأميركيون هذه الأيام سواء حيتان المضاربات أو أصحاب الدخل المحدود في أزمة القطاع العقاري في أمريكا، وهي أزمة جرَّت معظم بلدان العالم وراءها لاسيما تلك التي تتعامل مع الاقتصاد الأميركي بشكل واسع وسريع وحساس، أما البلدان التي تأثرت قليلاً فهي بلدان البورصات الأقل انفتاحاً على الأسواق المالية الغربية.
من أهم سمات هذه الأزمة، الارتفاع المتواصل للفوائد البنكية، مما قاد إلى عجز المقترضين من البنوك عن سداد قروضهم والتي غالبا ما تمثل 50% من الرواتب، وهو أمر ناجم عن اكتفاء البنوك برهن العقار عند تقديم التسهيلات مما قاد الآن إلى مطالبة البنوك بالتدقيق بالملاءات المالية للأشخاص وعدم الاكتفاء بتحويل الرواتب فقط، لاسيما وأن الرواتب ليست عامل ثقة لاسيما وأنها لا ترتفع بالتوازي مع ارتفاع الأسعار عموماً.
لكن رفع سعر الفائدة هذا ليس أمراً متعلقاً بالبنوك والقطاع العقاري والمقترضين وحدهم. فهو متأثر بشح السيولة المالية في القطاع المالي في الولايات المتحدة نفسها. وهذه مشكلة تجد أساسها الفعلي في الإنفاق الباهظ على الحرب في العراق وأفغانستان من جهة، وفي الأساس النفسي وهو تراجع، بما يقارب التلاشي، لشعبية المحافظين رئيساً وحكومة.
ذكر تقرير نشرته CNN أن هنالك أسباباً إضافية قد تؤدي إلى أزمة اكبر من التي تشهدها الولايات المتحدة حاليا، ومنها قانون المالكين والمستأجرين الذي سينفذ خلال العام 2010 والذي يسمح للمالك بإخراج المستأجر من الشقة الأمر الذي يدفعه لقرار شراء بيت وهي حالة تتطلب منه البحث عن قرض لشراء مسكن، رغم الصعوبات المالية التي يواجهها والتي بدورها ستؤدي إلى تخلف المقترض عن السداد، مما يعني بيعها بالمزاد العلني وبسعر اقل، في ظل ثبات دخول الأفراد مقارنة مع التغير الحاصل على الفوائد. وبالطبع، هذا يضع المقترضين وهم من قطاعات شعبية أوسع أمام مشكلة البحث عن قروض وأمام مواقف رافضة لسياسات الحكومة في فتح جبهات حروب مهلكة.
هناك عامل إضافي آخر اثر على السيولة المالية في الولايات المتحدة، وهو أن عوائد النفط الضخمة التي تدفقت إلى الدول المنتجة للنفط لم تتدفق بنفس نسبة تدفقها سابقاً إلى الولايات المتحدة، فهناك دول سعَّرت نفطها باليورو، أو بسلة عملات، كما وجهت بعض استثماراتها إلى بلدان أخرى غير الولايات المتحدة. وهذه سياسات تضغط على الدولار من جهة وتدفع أسعار الفائدة البنكية في الولايات المتحدة إلى الأعلى من جهة ثانية.
لكن دور النفط هو في التحليل الأخير سلاح ذو حدين. فقد هبط سعر النفط في الأيام الأخيرة بنسبة 10% عما كان عليه في أوائل شهر آب الجاري، متأثرا بهذه الأزمة. فهي أزمة في النقد، ولكنها أثرت على النفط وهذا يكشف عن عيب جديد وهو أن الدورة الاقتصادية في العالم أصبحت اليوم في وضع شديد الحساسية بمعنى أنها سريعة التأثر والانقلاب وهي سرعة مرتبطة بعولمة الاقتصاد التي من أهم سماتها الانفتاحات الاقتصادية. لقد أثرت أزمة قطاع التمويل العقاري المرتفع المخاطر التي تعصف بأسواق الأسهم والائتمان العالمية على أسعار النفط لكن الخسائر كانت محدودة مع التدخلات القاسية من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) وبنوك مركزية أخرى لضخ سيولة في أسواق المال، فقد ضخت البنوك المركزية في شتى أنحاء العالم ما لا يقل عن 326 مليار دولار خلال ثمان وأربعين ساعة وسط مخاوف من أن تؤثر أزمة قطاع التمويل العقاري في نهاية الأمر في الاقتصاد العالمي كله.