فنزويلا والنضال العالمي من أجل الاشتراكية
تخلق التطورات المثيرة للثورة في فنزويلا، ومضيها قدماً في التحالفات مع الشعوب الأخرى والحكومات المتمردة التي تقاوم الإمبريالية، فرصة تاريخية لتقوية التعاون الدولي المناوئ للإمبريالية وإعادة بناء الحركة الاشتراكية الثورية عبر العالم.
ما تزال ثورة فنزويلا البوليفارية في مراحلها الأولى. وبالرغم من أنها تسير بثبات إلى الأمام فمثلها مثل الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 والثورات العظيمة الأخرى في القرن العشرين أصبحت مقياساً لكافة الاتجاهات في الحركة العمالية العالمية، خالقة الفرق بين هؤلاء الذين يتراصون للدفاع عن الثورات الحقيقية قي العالم وبين أولئك الذين استمروا في عزلة طائفية.
وفرت الانتخابات الرئاسية في فنزويلا في كانون الأول من العام 2006 الإرادة الصلبة لهذا البلد للسير نحو الأمام باتجاه الاشتراكية وذلك عندما حصل الرئيس هوغو تشافيز على أغلبية 63% من أصوات الناخبين. فوضعت الحركة الضخمة لجماهير العمال والفلاحين هدف الاشتراكية أمامها واستخدمت السلطات الحكومية لاتخاذ خطوات حاسمة في هذا الاتجاه. فكان أن خلق ذلك الشروط الأكثر ملائمة منذ عقود عديدة لتقدم الاشتراكية إلى الأمام على الصعيد العالمي. وقد تحرك الشعب والحكومة الفنزويليية خلال العام المنصرم على العديد من الجبهات لضمان وصيانة الحريات الديمقراطية والسيادة الوطنية. فعملوا على تأميم المرافق الأساسية ومصادر الطاقة التي تم تخصيصها خلال فترات الحكومات السابقة. وطبقوا إجراءات مكنت المزارعين الصغار من الوصول الآمن إلى الأرض. لقد استحدثوا مؤسسات شعبية جديدة من ضمنها المجالس العمومية التي من المأمول منها أن تكون الخطوة الأولى باتجاه الهيكلية الجديدة للدولة المستندة إلى الحركات الجماهيرية والطبقة العاملة. وعلى الصعيد السياسي المباشر فقد هدف تأسيس الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد إلى تمكين الأعضاء على صعيد القاعدة من السيطرة على، وإدارة المعركة من أجل الاشتراكية على المستوى الوطني. وقد استجاب الملايين للدعوة من أجل الانضمام لهذا الحزب الجديد الذين يعملون من أجل جعله حزبهم الذي يمثلهم بحق.
منذ البداية آمنت ثورة فنزويلا بالأممية إلى أقصى الحدود مكرسة مواردها وطاقاتها لتقوية الحركات التي تناضل من أجل السيادة في عالم الجنوب، وهو ما لاقى التأييد من مئات الملايين عبر أمريكا اللاتينية. حيث تحالفت مع كوبا الاشتراكية كما تحركت بشكل فعال للمساعدة والدفاع عن حكومة بوليفيا المنحدرة من السكان الأصليين. وقدمت المساعدات العاجلة لشعبي هاييتي ونيكاراغوا. كما زادت من تضامنها مع العديد من دول الشرق الأوسط ضحايا حروب الإمبريالية واحتلالها. لقد حددت الحركة البوليفارية في فنزويلا مفهومها للاشتراكية والقائم على مبادرات القاعدة الشعبية وقيادتها على النقيض من النظام البيروقراطي الذي تسبب في انهيار الإتحاد السوفييتي.
تطور هام في قيادة الحركة المناوئة للإمبريالية
من المهم عدم المبالغة بمكاسب العملية التقدمية في فنزويلا وتسليط أمالنا وأهدافنا عليها. فالثورة تتجلى الآن في إطار النضال ضد الإمبريالية من أجل السيادة الوطنية والحقوق الديمقراطية. وما يزال رأس المال مسيطراً على الاقتصاد الفنزويلي ملقياً بآثاره على الحياة اليومية للطبقة العاملة. إلا أن الرأسمالية لا تزال تحتفظ بتوازنها ضد القوة المتنامية للطبقة العاملة ومن الممكن لهذا التعايش الصعب أن يستمر لفترة ليست بالقليلة.
وما يزال الشرق الأوسط يشكل ساحة الصراع الرئيسية للديمقراطية العالمية والنضال ضد الإمبريالية. وتتزامن حروب الإمبريالية في العراق وأفغانستان مع المواجهة مع إيران والتصعيد في الحرب على الشعب الفلسطيني والصراع المتفجر والمتزايد في لبنان. ويشعر الإمبرياليون بضغوط متزايدة، فإما أن يقوموا بتنفيذ الانسحابات التي لا يمكنهم تحملها أو الشروع بمغامرات عسكرية جديدة من الممكن أن تكون مدمرة لهم وللإنسانية.
إن معارضة الحرب ضد شعوب الشرق الأوسط من المهمات الأكثر إلحاحاً لدى حركات التضامن العالمية. وسيحدد مجرى هذه المعركة الضخمة بشكل كبير كيف يمكن للشعب الفنزويلي العامل أن يتقدم قبل أن يصبح قاب قوسين أو أدنى من المواجهة الحاسمة مع الإمبريالية.
وتشكل فنزويلا بالتحالف مع كوبا قيادة عالمية للنضال ضد الإمبريالية كما تعيد إيقاظ آمال الشعوب المضطهدة في العالم بالاشتراكية.
إعادة تشكيل الحركة الاشتراكية
أثارت الخطوات الأولية باتجاه تشكيل الحزب الجديد في فنزويلا مجادلات حامية بين الاشتراكيين في هذا البلد. وظهرت انقسامات بين مختلف التيارات السياسية الرئيسية في الحركة البوليفارية مباعدة بين أولئك الذين يريدون دعم الحزب الجديد وأولئك الذين يرغبون بالنأي عنه. ويقدم تأسيس الحزب الجديد عروضاً ثورية بإمكانية الإتحاد ضد البيروقراطيين والآلة السياسية التي تلقى رعاية خارجية وضد تعصب بعض اليساريين. إنها عملية خلاقة تستحق الدعم. ٍوسوف يضع التطور في فنزويلا تيارات اشتراكية في أنحاء كثيرة من العالم في موقع تجريب مسارٍ مماثلٍ.
ما تزال فنزويلا بلداً تابعاً اقتصادياً وإلى حد ما بلداً فقيراً، ولم تحقق حتى الآن تحولات جذرية لصالح العمال والفلاحين كما حققت الثورات في روسيا وكوبا في القرن الماضي. ورغم ذلك فإن العملية الفنزويلية موصوفة بالرؤية المتطورة والإنجاز المتين. ويتعاظم تأثيرها استناداً إلى حقيقة كونها تشكل انقلاباً على جمود ساد طويلاً في الحركة النضالية. (..) ولسنوات عديدة كانت الطبقة العاملة والحركات التقدمية على مستوى العالم في حالة دفاع. إلا أن الحركة في فنزويلا أعطت الفرصة للارتباط بثورة نابضة ولاجتذاب جيل جديد من المناضلين المستلهمين للمثال الفنزويلي. كما أنها أثبت الحاجة لوجود حركات للشعوب الكادحة والمقموعة للنضال من أجل السلطة السياسية.
إن ظهور فنزويلا كمثال يحتذى، مترافقاً مع ازدياد النضال في مناطق أخرى تخضع للهيمنة الإمبريالية، وكذلك ظهور قادة قوى عبر أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط ومناطق أخرى، أمر يحقق ويبشر بتحالف مناوئ للإمبريالية في كل مكان. كما ستتحرك قوى جديدة مستلهمة المثال الفنزويلي في تصعيد مقاومتها للرأسمالية في بلدانها. وسوف تجد التيارات القادرة على التعلم من فنزويلا نفسها تتشارك نطاقاً من التعاون بدأ بالاتساع بالإضافة إلى قيادة فعالة.
وسوف تحظى القوى اليسارية في العالم، التي تعاني الآن من انقسامها إلى تيارات ضعيفة ومعزولة، بفرصة اكتساب طاقة جديدة وإيجاد مجالات جديدة من التنسيق مع بعضها البعض ومع القوى الأخرى من حركات المقاومة الواسعة. كما سيجد أولئك الذين يتعاطفون مع الثورة التقدمية أسسا لتنمية التعاون والروابط الأخوية.
• المصدر: نشرة الصوت الاشتراكي
■ ترجمة : مالك ونوس