كشفت دعوة التقسيم المخطط المستور إرادة الشعب هي التي ترسم صورة الغد في العراق
دب همس ونقاش بعد عدوان حزيران 1967 في أوساط حركة التحرر الوطني العربية، حول مخططات صهيونية، مدعومة بقوة من القوى الامبريالية الدولية لتمزيق الدول العربية، أكثر مما هي ممزقة، وذلك لتسهيل مهمة الطرفين المعاديين لطموحات الشعوب العربية، الامبريالية والصهيونية.
وكان الهدف الرئيس لهذه المخططات تحويل دول المنطقة إلى كيانات طائفية، وعرقية، وعشائرية، والى كل لون قابل للتجزئة، والإخضاع السهل، وتكون هذه الكيانات الهزيلة متحاربة فيما بينها، معتمدة في وجودها على الدعم الخارجي من أعداء الشعوب العربية.
وهذه المخططات بدت متوافقة مع المصالح الإسرائيلية، لأنها، أي إسرائيل، سوف تكون الدولة الأكبر والأقوى في المنطقة، بما يضمن لها السيادة على الجميع، ومن جهة أخرى، سوف توفر هذه الحالة للامبريالية مصادر الطاقة، والهيمنة عليها، بسهولة ويسر، وانسيابية تامة.
وظل وعي هذه الحقيقة يراوح بين الإهمال والانزواء، والتبسيط، تحت حجة الاتهام بعقلية المؤامرة، أو الخوف من هذا الاتهام، وأحياناً نشهد حالة من الاندفاع غير المدروس.
وفي مراحل لاحقة، غاب الموضوع حتى عن الهمس به، ناهيك عن الاستعداد لمواجهته، خاصة بعد طرح ذريعة، أن العالم لم يعد ثنائي، أو متعدد الأقطاب، وبهذا، روجوا لفكرة، أو أكذوبة، تضاؤل الأهمية الإستراتيجية لإسرائيل عند الدول الامبريالية، ويرافق ذلك أيضاً، أكذوبة الادعاء، بأن النفط مجرد سلعة معروضة للبيع.
وجاء الغزو الإجرامي للعراق في عام 2003، وما رافق ذلك، من إذكاء للطائفية، والعرقية، والعشائرية، ومنطق ما قبل الوطنية، وما على حساب أو غرار ذلك، وتحت غطاء أكاذيب أخرى، أشد بشاعة، مثل: الديمقراطية، والرفاهية، والمجتمع المدني ووو.
أن القوى الحية في مجتمعنا العراقي، عرفت حجم المأساة المنتظرة، قبل وقوعها الفعلي، وحذرت وناشدت وأنذرت وقاتلت، ولكن في الوقت نفسه كان الجواب غير متكامل على السؤال: ماذا تريد «واشنطن» من العراق؟ إلى أن جاء قرار مجلس الشيوخ الأمريكي الداعي إلى تقسيم العراق، من أجل الحفاظ على أرواح جنودهم، والذي وصف بغير الملزم، وكأن شعب العراق طلب النجدة من الولايات المتحدة «الخيرية» الأمريكية.
هذه الجريمة الجديدة، قدمت الجواب المتكامل عن المشروع الأمريكي في العراق، هذا الجواب، سوف يساعد الواهمين بصدد المشروع الأمريكي، في فهم طبيعة المرحلة التي تمر بها بلادهم، وأن هذا الجواب سوف يكون عوناً لكل المناضلين، لمراقبة ومواجهة العدوان، دون أي قدر من الأوهام، أو الشك، أو عدم وضوح الرؤية، إن سكين العدوان انغرست في اللحم الحي للشعب العراقي، ووصلت إلى العظم، ولم يعد التذرع بالأعذار ممكناً.
وبديهي أن المخطط سوف يصطدم بعوائق موضوعية، عند التنفيذ، ومن هذه العوائق، ما هو إقليمي، وما هو دولي، ولكن العامل الوطني يظل هو العامل الحاسم، وان للطبقة العاملة فيه، دوراً جوهريا في الميدان، وفي الممارسة والرد، خاصة وان بداية الوعي العمالي آخذة في التنامي، ليس في العراق فقط، بل في الدول العربية أيضاً، وفي المنطقة، وفي بعضها ارتقى الوعي إلى المستوى الوطني، وفي أخرى عند الصعيد المهني، مثل الإضراب البطولي العادل لعمال مصانع نسيج المحلة في مصر.
وفي العراق يسجل عمال النقط مأثرة كبرى، ليس فقط في حماية حقوقهم المهنية، بل وفي المعركة المباشرة مع المحتل، من خلال الحرب على قانون نهب النفط العراقي تحديداً، وهناك مأثرة للعمال العراقيين، قد تفوق في أبعادها، ما ظهر حتى اللحظة الراهنة، فهم يلعبون الدور الرئيس، في حماية وحدة الوطن.
إن عمال النفط في البصرة، وفي مصافي تكريت وبغداد، وفي مراكز التوزيع في الأنبار، وفي كركوك وغيرها، نهضوا كعراقيين وحسب، وهنا تكمن المأثرة الكبرى، من خلال إعادة التوازن إلى الروح الوطنية.
وفي كل مرحلة من مراحل تنفيذ المخطط الامبريالي، سوف يصطدم الغزاة وعملاؤهم، بإرادة الشعب العراق، ونقول بكل ثقة: أن شعبا أفشل في المرحلة الأولى الاحتلال، ولم يمنحه صفة الفعل السهل، وان الوحدة العمالية سوف تفشل محاولات تدمير الوطنية العراقية، وبات هذا الشأن المرتجى، يلمس في الواقع العراقي، رغم كل المرارة التي تجرعها شعبنا، من خلال خيانة البعض، ومن خلال براعة المخططات، ومن خلال الدور المرعب لبعض رجال الدين والعشائر وفاسدي الضمير، وبعض الدول المؤثرة في الداخل العراقي، الذين تضافرت جهودهم جميعاً مع يد الاحتلال، من أجل تمزيق الشعب العراقي، وكسر إرادته، عن وعي وقصد، أو من دون ذلك.
نعم! فشلوا جميعاً في قهر إرادة الشعب العراقي، وبكل المعايير، بفعل المقاومة الباسلة لمناضلي الشعب، من كل المراتب والأعمار، ومن كل الاتجاهات الفكرية والسياسية المخلصة، ومن الرجال والنساء.
فشل الأعداء من كل نوع، لأنهم لم يتوقعوا حجم وعمق رد الفعل الوطني، ونقول اليوم: سوف يفشلون في تقسيم العراق، كما فشلوا في قهر إرادته الثورية، وإذا كان هناك بعض الوهم في وعد «ديمقراطية» الغزو والعدوان عند البعض، لنقص في الوعي، أو التجربة، أو للوقوع تحت تأثيرات بعض النزعات المريضة، فاليوم جريمة الغزاة الجديدة، ودعوتهم الرعناء لتقسيم العراق غير القابل للقسمة، لا تترك مجالاً لأي ذريعة، لقد كشفوا عن المخطط الإجرامي الأبعد، وهو تمزيق العراق، وكل الدول العربية والإسلامية، من خلال طرح مشروع التقسيم.
أن الغزاة لم يفهموا حتى طموحات عملائهم، فكيف لهم أن يتعرفوا على ضمير وطوية الإنسان العراقي الحر، إن العراق يعيش في روح ووجدان أبنائه، وكلما بالغ الأعداء في ممارسة مخططاتهم، كلما ساهموا من حيث لا يعلمون، بتعجيل تحريك آليات التكاتف الوطني المشروع، والمطلوب، والعاجل.