خصخصة القطاع العام المصري تفعيل دور الرأسماليين.. وتعطيل قوى العمل

لم تشهد الطبقات والفئات الكادحة المصرية في تاريخها المعاصر، منذ نصف القرن الماضي على الأقل، تدهوراً في المستوى العام للمعيشة، وانهياراً للقدرة والمكانة، مثلما شهدت في العقد الأخير. فمنذ سنوات، اندفعت السلطة الحاكمة بفعل سيطرة جماعات من «الرأسماليين الجدد»، جلّهم من «المحدثين» الذين ظهروا على سطح الحياة الاقتصادية والسياسية دون أن يكون لهم وجود تاريخي سابق، وراحوا يتسابقون مستندين إلى تغطية النظام وحمايته، وتحت شعارات خادعة براقة، من نوع: «إعادة الهيكلة» و«تحرير الاقتصاد» و«التكييف الهيكلي».. إلخ، بغية تصفية منظمة للملكية العامة بكل صورها، والتهام منظم للثروة الوطنية، بما في ذلك من تدافع لإرضاء المؤسسات المالية الغربية عبر تنفيذ تعليمات «البنك الدولي» و«صندوق النقد»، وغيرهما من الهيئات الشبيهة، الأمر الذي تسبب في تعريض عشرات الملايين من المواطنين المصريين إلى أزمات متفاقمة مستمرة، حوّلت أيامهم إلى جحيم مقيم وعذاب لا نهاية له، وضاعفت من حجم المعاناة الشاملة التي أصبحت الصفة العامة لحياتهم على مدار الأيام.

فبفعل التوجهات الأساسية للنظام، تم على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، وبوتيرة شديدة التسارع، بيع الأغلبية العظمى من مصانع وشركات ومؤسسات القطاع العام وبأبخس الأثمان، وعلى رأسها مؤسسات سيادية خطيرة، منها البنوك، دون أي اعتبار للمصلحة العامة أو المصالح الاستراتيجية العليا للبلاد. وألقي بمئات الآلاف من العمال والمستخدمين إلى سوق البطالة ليصبح عدد من انضم إلى صفوف هذا السوق نحو سبعة ملايين مواطن بزيادة مطردة كل عام بنحو مليون عاطل جديد، وذلك نتيجة استمرار الجامعات والمعاهد العليا والفنية في صب عشرات الآلاف من خريجيها إلى سوق العمل المكتظ، مع تخلي الدولة الكامل عن التزامها بواجباتها الاجتماعية الرئيسية تجاههم، وفي مقدمتها توفير فرص العمل، ملقية بهذا العبء على كاهل «القطاع الخاص»، الذي تنصل بدوره من هذه المسؤولية، مما أدى إلى استحالة إيجاد فرصة عمل إلاّ لأبناء «المحظوظين»، أو القادرين على دفع الثمن (الرشوة) لمن يملكون قرار التوظيف، أو للحاصلين على تعليم مميز في جامعات النخبة، الباهظة التكاليف، وهو ما لا يتوافر لأغلبية أبناء الشعب.
وقد انعكس هذا الواقع البائس للاقتصاد المصري المتجه بسرعة كبيرة إلى خصخصة كافة القطاعات المنتجة التي تشكل سوراً يحتمي به أبناء مصر، انعكس على حياة الشباب المصري العامل منه والموظف، وبأشكال مختلفة منها على سبيل المثال؛ أنه بات من العسير على أي شاب مصري أن يقدم على الزواج، خوفاً من فداحة تكلفة هذا الإقدام ومتطلباته الحياتية، وفي مقدمتها طبعاً أسعار المساكن الباهظة التي واصلت التقدم إلى مستويات خرافية (حيث لعبت مضاربات فائض الأموال النفطية على العقارات والأراضي، دوراً أساسيا في هذا الأمر)، فأدى ذلك إلى ارتفاع متوسط سن الزواج في مصر إلى خمسة وثلاثين عاماً، (بينما كان يقترب من نصف هذا المعدل في جيل الآباء!)،