أمريكا اللاتينية: مصرف الجنوب «بانكوسور» لتمويل الاقتصاد الاشتراكي

أخيراً أصبح مصرف الجنوب حقيقةً واقعيةً في أمريكا اللاتينية؛ ويرى المتحمسون للفكرة فيه مشروعاً تكاملياً آخر، بينما ينظر إليه آخرون بعين الريبة والشك إذ يعتقدون بأنه قد يغدو «ثدياً» آخر لتغذية جشع المصالح الإمبريالية في أمريكا اللاتينية.

يشير القرار المتخذ مؤخراً في «كويتو» والقاضي بإنشاء مصرف الجنوب، إلى نيّة غير قابلة للجدل لدى دول أمريكا اللاتينية في التوجه صوب التكامل الاقتصادي، هذا التكامل الذي لم يعد بعد الآن مقتصراً على مجموعة الـ «ألبا» (البديل البوليفاري لأمريكا اللاتينية) بل أصبح يضم أيضاً بلداناً أخرى مثل الأرجنتين، البرازيل، الإكوادور، والباراغوي.

ثمة جملة أسئلة تفرض نفسها هنا: ما الذي يكفل عدم تحوّل هذا المصرف لنسخة مكررة عن صندوق النقد الدولي، أو مصرف التنمية الداخلية في أميركا اللاتينية، أو حتى إلى نسخة مكررة عن البنك الدولي؟ هل هناك ضمانات تمنع الشركات الإقليمية في أمريكا اللاتينية، والشركات متعددة الجنسية، من محاولة استغلال المبالغ المالية المخصصة لتسديد رواتب ومعاشات شعوب المنطقة لمنافعها الخاصة؟!

الحقيقة أن هناك قلقاً يقض مضجع عدد من الناس، ليس في أمريكا اللاتينية فحسب، وإنما في جميع أرجاء العالم الذي تطلع بأمل كبير لنجاح مشاريع التكامل المتعدد الجوانب التي أطلقها «تشافيز» والقادة الآخرون للدول الأعضاء في مجموعة «الألبا».

وأمام هذه التساؤلات وغيرها دار الحديث مع «بلينيو سوارز دي أرودا»، الاقتصادي في جامعة كامبيناس الحكومية في البرازيل، وأحد الاقتصاديين البارزين الذين قدموا مساهمات في المؤتمر الدولي للعولمة والتكامل الذي عقد مؤخراً في هافانا.

 كسر الهيمنة الإمبريالية

كيف جرى نقاش موضوع مصرف الجنوب من وجهتي نظر الحركة الشعبية والحكومة في البرازيل؟ وما هي الآمال المعقودة على المصرف، هل سيعمل على تجديد الصناعة في أمريكا اللاتينية، أم أنه سيقوم باستغلال هذه الصناعة لمنفعته الخاصة عبر تمويله قروضاً، سواء للصناعات المحلية أو الإقليمية؟

* نظراً لكون البرازيل بلداً ريفياً، فإن النظام الرأسمالي العالمي الذي تميزه علاقات التبعية والهيمنة لا يلعب أي دور في الحِراك السياسي البرازيلي، الأمر الذي جعل النقاش حول مصرف الجنوب محدوداً جداً، سواء في الدوائر الرسمية أم في المنظمات الأهلية، وحتى الآن اقتصر النقاش على بعض الإقتصاديين المحافظين الذين يبدون قلقاً بشأن الحملة الدبلوماسية لـ «هوغو تشافيز» في أمريكا اللاتينية، إنهم يتوّجسون خوفاً من أية مبادرة يمكن أن تُعكر صفو العلاقات الممتازة التي تجمع حكومة الرئيس «لولا» بصندوق النقد والبنك الدوليين والولايات المتحدة.

إن إنشاء مصرف لإدارة الفائض من دولارات أمريكا اللاتينية تعتبر فكرة ممتازة، كما أن الحصول على مصرف قادر على تقديم اعتمادات مالية في العملات الدولية سيخفض، وبشكل ملحوظ، اتكال بلدان المنطقة على الهيئات والمؤسسات النقدية الدولية، والاعتقاد بأن أحد المصارف قادر على حل مشاكلنا هو مجرد وهم، ذلك أن الاستقلال الذاتي المالي يعتبر شرطاً مسبقاً لرسم السياسات الاقتصادية التي تركّز على الحاجات العامة لشعوب المنطقة. إلا أنّ هذا الشرط غير كاف وحده أيضاً لكسر قبضة الهيمنة الإمبريالية على المنطقة، فالوقوف في وجه عودة الاستعمار الجديد الذي يداهم المنطقة يتطلب منا الحض على إحداث تغييرات جذرية، تتمثل في تأميم الإقتصاد ونقض الاتفاقيات الدولية المُجحفة التي تحّد من حرية الدول الوطنية، والعمل على إصلاح الأراضي وإعادة تأهيل المدن، وبدون هذه الإجراءات سيتحول مصرف الجنوب، في أحسن الأحوال، إلى مجرد مؤسسة تقوم بتمويل ما يسمى بـ «الأبطال الوطنين» وهي عبارة عن شركات كبيرة تعمل ـ كنظيراتها المتعددة الجنسية ـ باستقلالية كبيرة، لكنها عملياً لا تتحمل أية مسؤولية وطنية.

 الأجندة المزدوجة

هل يقوم «لولا» بالعمل وفق جدول أعمال مزدوج، الأول مع «تشافيز» والثاني مع «بوش»؟ وما مدى دور الوصول لاتفاق نهائي حول مادة الايثانول بين البرازيل والولايات المتحدة في خلق عقبات على طريق التكامل الإقتصادي لدول أمريكا اللاتينية؟

* في الواقع، لدى الرئيس «لولا» أجندة واحدة؛ الفوز بثقة الإمبريالية وهي الشريك المحبب له في أمريكا الجنوبية، أما (صداقته) مع «تشافيز» فإنها تمنحه مجالاً أرحب للمناورة مع الولايات المتحدة، كما وتمنحه القدرة على التماهي مع القطاعات الشعبية التي تتعاطف مع الثورة البوليفية، وإذا ما حصل اتفاق بين البرازيل والولايات المتحدة بشأن مادة الايثانول، فإن من شأنه أن يطفئ حلماً برازيلياً كبيراً في المشاركة ببرنامج بديل للتكامل الإقتصادي بين دول أمريكا اللاتينية.

إن الايثانول يزاوج ما بين المشاريع الزراعية الكبيرة وصناعة المحركات، أي بين مُلاك الأراضي الكبار الجدد وبين الرأسمال العالمي القديم، مما يعطي دفعاً إضافياً لليبرالية الجديدة في القارة، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى التنديد بالبرازيل لمساهمتها في تسهيل عودة الاستعمار الجديد.

• ترجمة: عادل بدر سليمان

بقلم «بلينيو سوارز دي أرودا»

و«ديك ايمانويلسن»

المصدر: «أرجنبرس»