حل الأزمة الاقتصادية العالمية يقتضي تقييد أرباح المضاربات
نشرت صحيفة الحياة مطلع الشهر الجاري مادة بقلم ميشيل روكار، رئيس وزراء فرنسي أسبق ونائب في البرلمان الأوروبي، أكد فيها أنه للمرة الأولى منذ 200 عام يتولى شن الحرب على الرأسمالية أصحاب مواقع في قلبها، وبعضهم حكام مصارف مركزية كبيرة. واستشهد الكاتب على استفحال الأزمة الاقتصادية العالمية بالدين الأميركي (الدين العائلي، ودين الشركات والدولة). فمنذ 1982 إلى 2005، لم ينفك تعاظم ذلك الدين.
ويوضح الكاتب أنه في أزمة 1929 بلغ الدين الأميركي 130 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. وكان في القلب من النظام. وهو يبلغ اليوم 230 في المائة من الناتج، حيث يقتضي تجنب إفلاس النظام المالي الأميركي أن يستدين بليوني دولار في اليوم الواحد. والحق أن النظام المالي العالمي «تذرر». فالمصارف العالمية الضخمة، وهي تتولى إدارة الديون المتراكمة، أكبر 4 أضعاف ما كانت عليه أمثالها قبل 75 عاماً، ولكن السوق الدولية اليوم أكبر. 50 مرة إلى 100 مرة ما كانت عليه سوق 1929.
وتبلغ العمليات المالية اليومية عشرات البلايين من الدولارات. ونجم عن «التذرر» تذويب الأزمات التي تعاقبت منذ الثلث الأول من القرن المنصرم. وبين 1945 – 1980 لم يشهد العالم إلا أزمات إفلاس وطنية أو عجز عن الدفع، ولم يكن بينها أزمة دولية واحدة. ورأى أن ذلك هو من نجاحات الرأسمالية المنظمة. ولكن منذ 1980 تعاظمت الدائرة المالية على نحو غير مسبوق، ما بعث من جديد أزمات مالية عريضة: فأزمات الثمانينات الأميركية – اللاتينية سرت في القارة الأميركية كلها، ونجمت أضرار كبيرة عن الأزمة الآسيوية في التسعينات على رغم اقتصارها على 12 بلداً، وانفجار فقاعة الاقتصاد الالكتروني في العام 2000، وتشبه مئات البلايين من الدولارات التي تبخرت وتبددت من البورصات، نظيرها في 1929. وقد تكون الصدمات أقل سرعة وحدّة ووطأة إلا أنها ليست أقل تبديداً، على رغم حاجز تذرر الأسواق، واضطلاعه بتلطيف الصدمات بعض الشيء.
ويبلغ الدين الأميركي خارج المصارف 39 ألف بليون دولار، وهذا الدين لن يسدد. وليست ثمة ما يؤذن بتغير الاتجاه الاقتصادي العام. فالمشكلة، على هذا، هي «احتمالية» الدين هذا، وتعاظمه يوماً بعد يوم جراء الفوائد المركبة. والى اليوم، كانت الفوائد المنخفضة على الاستدانة تدعو إلى الاستدانة، والى إيفاء الدين. ويتبدد الإمكان هذا مع بلوغ سعر النفط سقف المائة دولار، من ضمن عوامل أخرى.
أما السبب في تعاظم الدين على هذا النحو، وفي الانقلاب من توازن عام إلى اضطراب وخلل كاسحين، حسبما يؤكد روكار، فهو تغير طرأ على توزيع الناتج الإجمالي الداخلي بين «الأجور» (وهي الأجور وعوائد الرعاية التي يسددها الضمان الاجتماعي) و «الأرباح» (أي الأرباح الصناعية، وعوائد المهن الحرة، وما يؤخذ «مباشرة» من السوق) ويشمل ذلك أوربا بكاملها والولايات المتحدة حيث تردت حصة الأجور من 71 في المائة من الناتج الإجمالي، في 1981، إلى 60 في المائة، في 2005. ويبلغ هذا التردي 11 في المائة. فلو بقي التوزيع اليوم على ما كان عليه في 1981 بفرنسا، لوسع موازنة الأسر أن تصرف 130 بليون يورو فوق ما صرفت على شاكلة رواتب وعوائد من الضمان الاجتماعي، ولكان أدى استهلاكها الى زيادة نقطة نمو واحدة في السنة، والى تخفيض عدد العاطلين عن العمال 500 ألف. فشكّل التوزيع الجديد والماجن هذا حائلاً دون تغذية الاستهلاك النمو، ودون إنشاء وسائل تسديد الدين.
وتوسلت السياسة الفوردية (نسبة إلى صاحب معامل السيارات الأميركية) بالأجور المرتفعة إلى تصريف السلع التي ينتجها العمال: فتحول هؤلاء إلى مشتري السيارات التي يصنعونها، وثبتتهم مرتباتهم العالية في أعمالهم. كما أخلت الصناديق، وأولها صناديق التحوط في 1990، بالموازنة الدينامية لأن أصحاب الأسهم أرادوا ضمان عائد استثماراتهم. وأتاح لهم تنظيمهم الدقيق والمتماسك التصدي للأجور، واقتطاع الضمان المرجو منها، ولبى مديرو مجالس الإدارات، من طريق محاسبة جديدة، الضغوط المستجدة. فأخرجوا من نظام محاسبة الشركات الداخلي العاملين في الأجهزة الاجتماعية، وطردوهم من النظام الثابت وأحالوهم على شركات منفصلة ومتواضعة حرم عاملوها من العمل النقابي وحمايته وقوانين صرفه. فغلب العمل المؤقت وغير المضمون على 16 في المائة من اليد العاملة بحيث بات يشكل من 5 إلى 6 ملايين بفرنسا، و10 ملايين ببريطانيا