خالد عبد المجيد لـ«قاسيون»: نحن مع المقاومة ضدَّ من يعلِّق الآمال على الاتفاقيَّات مع العدو

حاوره: جهاد أسعد محمد

التقت قاسيون بالأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني الرفيق خالد عبد المجيد، وأجرت معه الحوار التالي:

• خرجت القمة العربية بمجموعة من القرارات، جزء منها متعلق بالشأن الفلسطيني.. كيف تقيمون في جبهة النضال هذه المقررات؟!

نعتبر أن هناك قضيتين أساسيتين خرجت بهما القمة.. أولاً: استمرار دعم صمود الشعب الفلسطيني ودعم خياراته وخاصة استمرار مقاومته للكيان الصهيوني.. وهذا الموضوع بالنسبة لنا هو موضوع جوهري.. ثانياً: دعم الوحدة الوطنية الفلسطينية، ودعم الاتفاق الذي جرى في صنعاء بين حركتي فتح وحماس، وتأكيد القمة على أن رئاستها ستلعب دوراً إلى جانب المبادرة اليمنية وكل المبادرات العربية من أجل متابعة العمل لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، لأن الوضع الفلسطيني في ظل تعقيداته وفي ظل حالة الانقسام الجغرافي الحالي بين غزة والضفة الغربية، وفي ظل الانقسام السياسي بين خيارين سياسيين، لابد أن يكون هناك احتضان عربي للوصول إلى هذه الوحدة. ونعتبر أن الجهود العربية سيكون لها أثر في استعادة الحوار الوطني الفلسطيني بمشاركة كل الفصائل، وتحقيق الوحدة الوطنية، وإنهاء حالة الانقسام بين حركتي فتح وحماس.

• كيف يمكننا تصور هذا الاحتضان العربي، والنظام الرسمي العربي منقسم على نفسه، والدول العربية تختلف وتتباين في الرؤى والمواقف، ويصنفها الخارج بعضها كدول معتدلة وأخرى «غير متعاونة»؟

نحن لا نستطيع فصل أزمتنا وقضيتنا عن العمق العربي وعن الانقسام في الساحة العربية، لذلك نعتبر أن نتائج القمة قد تشكل قاعدة للتضامن العربي بعد ما جرى خلال المرحلة الماضية من تجاذبات سياسية بين معسكرين، والكل أقر بالقمة حسب معلوماتنا أن هناك مرحلة جديدة تقتضي الوفاق العربي.

الموضوع الفلسطيني يأتي في هذا الإطار.. إذا حصل توافق بين من كان له مبادرات وجهود كمصر أو السعودية أو سورية التي كانت تحتضن اللقاءات الفلسطينية، لو جرى توافق بين هذه الأطراف الثلاثة الإقليمية وجميعها لها دورها وعلاقتها الجيدة مع الأطراف الفلسطينية، أعتقد أن هذا الاحتضان من الممكن أن يحصل.

• في هذا الإطار، إلى أين وصلت المبادرة اليمنية؟ خاصة وأنكم أكدتم في غير مناسبة بأن أطرافاً في السلطة الفلسطينية، وفي فتح غير متعاونين مع هذا الاتفاق؟

أعتقد أن فتح وحماس عندما ذهبا إلى اليمن كان كل طرف يحاول تحميل الطرف الآخر مسؤولية عرقلة وحدة الصف الفلسطيني.. المبادرة كانت مخلصة من الإخوة في اليمن، ونعتبر أن ماجرى التوافق عليه في النصوص إيجابياً، لكن للأسف الشديد سرعان ما اصطدم بتفسيرين، كما أدى لتضارب في المواقف داخل فتح نفسها. نعتقد أن متابعة العمل لاستعادة الحوار واعتبار المبادرة ونقاطها إطاراً للحوار الوطني الفلسطيني وتحصين هذه الموقف بمشاركة شاملة من كل الفصائل الفلسطينية، واحتضانها عربياً إلى جانب اليمن، سيساهم بإنجاح  هذه المبادرة التي إذا تركت بهذا الوضع ستموت كبقية المبادرات.

• كيف تنظر جبهة النضال إلى الخلاف الفلسطيني/ الفلسطيني، وأين تقف منه؟

الخلاف الفلسطيني تفاقم بعد الانتخابات التشريعية والنجاح الذي حققته حركة حماس بالمجلس التشريعي، وبالتالي أصبح هناك وضع دولي وإقليمي ضاغط باتجاه استيعاب حركة حماس في إطار ما سمي بالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير والحكومة الفلسطينية، ونشأت مشكلة معقدة تتعلق بموضوع مهام السلطة الفلسطينية ومهام المقاومة. لكن المشكلة في الأساس ناتجة من كون هناك إرادتان: إرادة تعلق الآمال على المفاوضات والوعود الأمريكية، وإرادة أخرى تتمثل في استمرار الانتفاضة والمقاومة والصمود الفلسطيني في مواجهة العدوان وإجراءاته واستيطانه. هذا الوضع وصل إلى درجة الانفجار لأنه كان هناك تيار يحاول أن ينفي الآخر، نحن في هذا الإطار لا نعتقد أن السلطة الفلسطينية هي المحور الذي يجب أن يستند عليه الشعب الفلسطيني، السلطة الفلسطينية هو وليدة اتفاقات، وما نجم عنها من مجلس تشريعي أو حكومة فلسطينية أو «الحكم الذاتي» هي إدارة ذاتية لشؤون الفلسطينيين، لكن العدو حاول أن يحولها إلى أداة لخدمة وتغطية مخططاته، وهنا حصل الخلاف.

في «جبهة النضال» نعتبر هذا الأمر بتعقيداته بحاجة إلى إعادة مراجعة حقيقية من الحركتين الأساسيتين ومن كل الفصائل الفلسطينية، وإعادة بناء منظمة التحرير ومؤسساتها بمشاركة كل الفصائل، بما في ذلك التيار الإسلامي المقاوم. إذا استطعنا ذلك نقرب هوة الخلافات. لسنا مع التيار الذي حاول تنفيذ الأجندات الأمريكية الإسرائيلية، ولسنا مع عدد من الممارسات التي حصلت في غزة نتيجة الحسم العسكري، لكن بالمقابل نحن نعتبر أن هناك إرادة سياسية تتمثل بخيار المقاومة نحن معها، ضد من يعلقون الآمال على الاتفاقيات مع العدو والالتزام بها.

• أنت تتكلم هنا عن خطين عريضين، ولكن هل الفرز واضح إلى هذه الدرجة؟؟

لا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن هذه التجاذبات والسلبيات، ولكن وبغض النظر عن تفاصيل الأوضاع والأخطاء أو الإيجابيات والسلبيات عند هذا الطرف أو ذاك، الخيار هو خيار سياسي، خيار المقاومة والانتفاضة والتمسك بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وهذا ما عقدنا المؤتمر الوطني الذي يمثل أكثرية الشعب الفلسطيني بنظرنا من أجله، وبالتالي هذا هو خيارنا، بغض النظر عن السلبيات الموجودة في الممارسات، أو في عدم التطابق الفكري، أو في البرامج السياسية، ولسنا مع الاتفاقيات المذلة بحال من الأحوال، ونعمل من أجل إنهاء الانقسام الذي يستغل من الاحتلال..

• أنتم حددتم خياركم في خندق المقاومة، ولكن ما سبب تراجع دوركم الكفاحي في الداخل؟!

أولاً سبب التراجع هو الانقسام الذي حصل في الجبهة في أوائل التسعينات، الذي تكرس عندما خرج العديد من رفاقنا وراهنوا على اتفاقات أوسلو والتزموا بهذه الاتفاقيات مع الفريق الآخر، وبالتالي لم تحصل عملية تجديد لدى الجبهة في الداخل. من جهة أخرى تأثرنا بالمتغيرات الدولية والعربية، حيث كانت بعض الأقطار العربية تشكل دعماً لنا ولغيرنا من الفصائل (ليبيا، العراق، اليمن، الجزائر) وكذلك منظومة الدول الاشتراكية والاتحاد السوفيتي، هذا الوضع تغير.. ولذلك تأثرت الجبهة، لكن حافظنا على دورنا استناداً إلى موقفنا التاريخي والمبدئي إلى جانب كل القوى الفلسطينية في إطار التحالف الوطني الفلسطيني، وهذا الدور بدأنا نعيد بناءه داخل الأرض المحتلة. وعدد من الفصائل استطاعت أن تجدد عطاءاتها وعدد آخر لم تستطع لظروف تتعلق بالإمكانيات والأوضاع التنظيمية..

• كيف تنظرون إلى الخارطة السياسية حالياً في ظل مشاريع الهيمنة الأمريكية الصهيونية ومخططاتهما في المنطقة، وما الآفاق المتاحة أمام الشعوب؟

الولايات المتحدة التي فكرت بالهيمنة على العالم من خلال القوة العسكرية بوصفها القطب الأوحد تواجه الآن مأزقاً حقيقياً في أكثر من ساحة، وبالتالي نعتقد أن هذا المأزق وصل إلى أقصاه بفضل إرادة الشعوب المقاومة لهذه الهيمنة الأمريكية، ورغم محاولات بوش وإدارته البحث عن مخارج إلا أن العد العكسي قد بدأ.. اليوم يبرز الدور الروسي بمواجهة السياسة الأمريكية سواء في موضوع الدرع الصاروخي أو غيرها من القضايا، وكذلك دور الصين ومنافسة أمريكا على الصعيد التجاري.. كل هذه القضايا ستدفع الولايات المتحدة إلى الانكفاء والعيش في أزمتها الداخلية (الدولار - النفط)، وهذه الأزمة ستتفاقم في المرحلة القادمة وستظهر أقطاب أخرى قد لاتصل إلى توازن قوى مع الولايات المتحدة، ولكن ستنافسها. هكذا نرى العالم خلال الحقبة الزمنية القادمة، ولن يستطيع أحد أن يفرض سياسة واحدة في ظل هذا التململ الحاصل في أكثر من بقعة من العالم.

• هل سينعكس ذلك على الصراع العربي - الإسرائيلي؟

بتقديرنا نعم، إذ لم يشهد الكيان الصهيوني منذ تشكيله قبل ستين عاماً حالة عدم استقرار كما هي اليوم، خصوصاً بعد الانتفاضة، وبعد حرب تموز العدوانية، وهذا يتطلب منا كعرب وكفلسطينيين مزيداً من المقاومة والصمود، لأن هذا الكيان سيضطر إلى التراجع عن سياساته والتفتيش عن مخارج لأزماته المستعصية.