زاهر الخطيب لـ«قاسيون»: لا أفق مطلقاً لإعادة إنتاج لبنان بوجهيه القديمين وطنيّاً وطبقيّاً
• الأستاذ زاهر الخطيب النائب اللبناني السابق الأمين العام لرابطة الشغيلة في لبنان.. ملفات كثيرة على الطاولة: لبنان، في سابقة عربية بامتياز، بلا رئيس منذ تشرين الثاني الماضي.. والاستعصاء مستمر، القطع الحربية الأمريكية على سواحل المتوسط، القمة العربية على الأبواب..، الوضع ملتهب في غزة وفي الأراضي المحتلة مثلما هو ملتهب معيشياً للمواطن اللبناني.. ما قراءتكم للوضع العام في المنطقة وفي لبنان تحديداً؟!
نحن أمام مرحلة يشتد فيها الصراع على نحو غير مسبوق بين معسكرين، معسكر الممانعة والمقاومة من جهة، المتمثل – كون المقابلة مع قاسيون- من سورية واحتضانها للمقاومات اللبنانية، الفلسطينية، العراقية وتحالفها مع إيران.. في مجابهة المعسكر الأمريكي الصهيوني وحلفائه، سواء من الغربيين أو امتدادات الأنظمة العربية المتخاذلة الاستسلامية المسماة بالمعتدلة والتي تدور في النهاية في الفلك الأمريكي وتذعن لإملاءاته وشروطه.
وبينما يتحول الوحش الأمريكي المحتضر إلى وحش أكثر شراسة، نراه في مفارقة كبرى يحاول يائساً أن يعوذ بالأنظمة العربية التي كانت تعوذ به حماية لها، فنراه اليوم يستنجد بالسعودية وبالنظامين المصري والأردني علّه يخرج من مأزقه. ولكنه من المؤلم والعار أن تسعى هذه الأنظمة اليوم لإنقاذ المشروع الأمريكي الصهيوني المتدهور في العراق، وغزة، ولبنان... الدابة تغير طريقها عندما تصطدم بعثرة.. الحيوانات تتعلم من تجربتها.. ولكن هذه الأنظمة تشاهد المأزق الأمريكي والصهيوني بأم عينها والذي يكتب فيه الأخصائيون الأمريكيون والصهاينة والصحف الإسرائيلية ومراكز الدراسات والأبحاث ومع ذلك تجدهم حتى اللحظة يدافعون عن واشنطن. خذ مثلاً أن القمة العربية جاءت بالتسلسل الأبجدي في زمان ومكان يصون الثوابت الوطنية والقومية، فنراهم يترددون ويسعون إلى إفشالها وعدم انعقادها ويحاولون الضغط على دمشق كي تستجيب للشروط الأمريكية والمشروع الصهيوني، وهذا شيء غريب فعلاً.
• بهذا الإطار أستاذ زاهر.. هناك دائماً حديث عن دور سوري إيراني في لبنان فما هي مفردات الدور السعودي أو ما يسمى بدول الاعتدال؟!
هذه دول تدور في الفلك الأمريكي ونحن لا نسميها دول الاعتدال...
.. نحن نسميها دول الاعتلال.
لاحظ ماذا يفعل النظام المصري والسعودي اليوم في لبنان! يعلن عن أن لبنان سيكون جهنم ويدعو العائلات السعودية لتغادره، وهذا شكل من أشكال التهويل والضغط.. شاهدنا الموقف المصري عندما انتفضت جماهير فلسطين في غزة.. نحن أمام مرحلة استثنائية فعلاً، انتهت أمريكا وستدفن آخر امبراطوريات القرن في هذا المثلث الذهبي (دمشق، بيروت، العراق).. لاسيما بوجود حلف استراتيجي بين سورية التي انتزعت مصداقيتها بفعل مواقفها القومية والوطنية وصونها للثوابت واحتضانها للمقاومة أمام الشعب العربي، وإيران التي رفعت راية فلسطين على أنقاض نظام الشاه لتغدو عمقاً استراتيجياً لقضايا العرب، فنحن أمام فجر جديد للإنسانية. ولكن هذا يعني اتجاه المعركة بين المعسكرين إلى مزيد من الشراسة وهو ما نشهده على الصعد كافة (دبلوماسياً، عسكرياً، سياسياً، إعلامياً، اقتصادياً)..
• وما هي احتمالات حدوث نزاع عسكري جديد في المنطقة برأيك؟!
لقد انهزم المعسكر الآخر، إنه ينازع من الآن وحتى 2009، بوش يحاول قدر الإمكان أن يحتفي في أيار بتأسيس دولة إسرائيل على أن يكون قد «حل المشكلة الفلسطينية»، ولكن أكبر دليل الآن على انهيار الوضع في إسرائيل هو الانتصار في غزة، ولا أقول إنه انتصار عسكري واستراتيجي وإنما انتصار مرحلي وضع رأس الكيان الصهيوني في الأرض. صواريخ القسام بدأت الآن تطال عسقلان وهناك طرح «ما بعد عسقلان». إن ما حصل في غزة هو إحباط لأنابوليس والمشروع الأمريكي الهادف إلى إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها، وإنهاء حماس، ووضع أبو مازن تحت إبط بوش في أيار.
في لبنان حاولوا أن ينتزعوا منا مقاومتنا، كلفوا السنيورة فأثبت أنه فاشل بالسياسة مثلما كان فاشلاً بالحسابات وبوزارة المال، كلفوا إسرائيل وجاؤوا في تموز 2006 ليتلقوا خلال 33 يوماً ضربات ساحقة لن ينسوها ما دامت «دولة إسرائيل» قيد الوجود الداخل في مرحلة العد العكسي.
جربوا في العراق فنشأت حالة الهلع لدى جنود قوات الاحتلال الأمريكية، وارتفعت نسبة الانتحار والأمراض العقلية والإعاقات في صفوفهم.
نحن إذاً لا نبتدع صورة وردية لأنفسنا بل إن المعركة شرسة جداً لأن المعسكر المعادي ينهزم..
• بالعودة إلى لبنان.. تطرقت إلى محاولة كل فريق تغيير ميزان القوى لصالحه.. على أرض الواقع السياسي في لبنان، وتحديداً أننا أمام التأجيل السادس عشر للاستحقاق الرئاسي، وهو أحد مفردات «الأزمة اللبنانية»، ما هي معطيات الوصول إلى حل توافقي بناءً على قراءتكم لتوازن القوى حالياً بين قوى السلطة والمعارضة؟
الآلة الإعلامية الأمريكية وفضائياتها العربية تحاول أن تصور أن فريق السلطة أكثرية وله وجود، وأنه قبل 14 شباط أصبح غير بعد 14 شباط، ولكن ذلك كله انكشف بذكرى استشهاد الحريري حين التقطت عدسات الكاميرات حجومهم الفعلية، فلا هم قدرة شعبية ولا يمثلون أكثرية نيابية مادام المجلس الدستوري معطل وهم يستأثرون بالحكم بخلسة من الزمن استغلوا عندها دم الحريري وبدؤوا تحت شعار (الذي يترشح ضدنا فهو من القتلة، ومن له موقف سياسي مناهض لنا فهو من القتلة)، وإذا «عطس» شخص ما باتجاه الموالاة يقولون إنه من القتلة، ويلحقوننا بالمحكمة الدولية على أساس أننا جميعاً من القتلة.. ولكنهم مع الأسف أكثر انضباطاً لأن هناك قائد أوركسترا أمريكي من وراء البحار يقول لهم: استراحة.. فيستريحون، يقول لهم انتباه.. فينتبهون.. استعدوا فيستعدون.. انضبطوا فينضبطون!
أما إيقاع ضبط الخطوات في صفوف المعارضة بالمقابل فليس بذات الدقة كونها تحترم الرؤية السياسية لكل فريق سياسي وإيدلوجيته وإطاره التنظيمي فتظهر تباينات صحية. نحن ليس هناك من يوجه لنا الأوامر، وإنما لدينا قناعاتنا ونحن ملتفون حول ثوابت وطنية وقومية وقد باشرنا اليوم بخطوات تنسيقية لمؤسَسَة جبهة المعارضة من خلال لجنة تجري اتصالاتها للبحث عن الثوابت والعناوين والرؤى السياسية والبرنامج السياسي الذي يمكن أن تتوحد المعارضة حوله.
• ولكن يؤخذ على المعارضة التي تتمتع فعلياً بأغلبية شعبية وجماهيرية وبصوابية الرؤية والخيارات الوطنية، أنها تكتفي بدور الدفاع، دون الانتقال للهجوم، بالمعنى السياسي اللبناني، ويتجلى ذلك بشكل أساسي في المعركة الاقتصادية الاجتماعية.. بمعنى آخر، ومن موقعكم كأمين عام لرابطة الشغيلة في لبنان، كيف ترون القضية اللبنانية من منظور طبقي، وماهو دور المعارضة بهذا الموضوع ككتلة وجبهة؟
المعارضة تمارس حقها الديمقراطي المكفول في كل النظم الديمقراطية بتعطيل وشل عمل الحكومة، وقد اتخذنا خطوات ديمقراطية توجت باعتصام (رياض الصلح) إنما بعد يوم الخميس الدامي أو الأسود ونزول قوات جعجع لتطلق النار وتحاول أن تثير فتنة انكفأت المعارضة عن الخطوات التصعيدية واكتفت بأن يبقى الاعتصام شاهداً على أن الأزمة لم تحل في لبنان.
في هذه الأثناء بدأت الموالاة تراكم بالنقاط إنجازات محددة بحسب تعبيرها منها أنها أنجزت انتخابات فرعية غير دستورية ورفعت المحكمة الدولية بشكل غير دستوري لمجلس الأمن، إلى جانب التحرشات والاستفزازات المتنقلة لإثارة فتنة تجرنا إليها بهدف تلويث سلاح حزب الله في الداخل بحرب أهلية لتقول انظر كيف يوظف سلاح المقاومة في الداخل! وكان الأحد الدامي إحدى المؤامرات التي لجأت إليها الموالاة بتنسيق مع المخابرات الأمريكية الصهيونية العربية المتخاذلة المسماة معتدلة ليسقط فيها 7 شهداء للمعارضة التي حالت بكل حكمة دون انزلاقها لحرب أهلية وتجاوزت المنطق الذي يقول: لماذا لا تكوني يامعارضة هجومية- كما تفضلت. وقد قلنا إننا لن نحسم معركة الإصلاح والتغيير عسكرياً أو بالعنف وإنما نلجأ للوسائل الديمقراطية المشروعة، أما في معركة التحرير فإننا كلنا نمتشق السلاح لنجابه إسرائيل...
• تعقيب على الهامش.. لم أقصد من الطرح استخدام السلاح بوجه الداخل اللبناني وافتعال اقتتال داخلي لبناني، فالهجومية لا تعني حمل السلاح حصراً..
في كل الأحوال هناك بعض المقولات المتداولة بخصوص الشأن اللبناني، ولكن من خارج الماكينة الإعلامية المحكومة أمريكياً، أن الوضع في لبنان محكوم بإعادة إنتاج الأزمة طالما استمر وجود الطبقة السياسية القائمة على أساس التحاصص الطائفي، أي تغييب القضية الطبقية لصالح القضية الطائفية، كيف المخرج من هذه الحالة باتجاه إقامة دولة مؤسسات خارجة عن إطار المعيار الطائفي وتعيد الاعتبار لمقولة المصالح الاجتماعية؟
توافقنا الآن كمعارضة على مرحلة انتقالية يجري فيها الإعداد لإعادة تكوين السلطة. عندما نقبل الآن بالثلث الضامن أو المعطل فإننا نريد ذلك لتعطيل أي قرار في مجلس الوزراء يريد أن «يفدرل» لبنان، أن يقسمه ويجعل منه محمية صهيونية تحت الوصاية الأمريكية. ونقول لهم في الوقت ذاته معكم الثلثان إذا شممتم أن هناك قراراً في مجلس الوزراء نحاول أن نمرره كمعارضة وهو لا يصب في مصلحة لبنان بل، مجازاً، في مصلحة طهران أو دمشق فعطلوه.. هكذا نصل إلى وضع نأخذ قرارات تتعلق بلبنان وللمصلحة اللبنانية فقط..
.. ولقضية المواطن اللبناني..
.. ولكن مع اشتداد الصراع بين هذين المعسكرين هناك صراع في الداخل اللبناني بين نهجين وخطين بالمضمون الوطني وبالمضمون الطبقي، وقد سألتني سؤالاً هاماً.
بالمضمون الوطني: لم يعد من الممكن التوفيق بين تيار انعزالي كياني ضيق ينافي هوية لبنان وعروبته وما أنجزه من انتصار ضد الكيان الصهيوني فأصبح قوياً بمقاومته وشعبه وعقيدة جيشه. ليس من الممكن مطلقاً أن نعود للبنان إلى الوراء ليكون «قوياً بضعفه» لأن سنوات الـ93، 96، 2000، 2006 حسمت أن لبنان سيكون أكثر عزة في مقاومته للكيان الصهيوني.
أما في البعد الطبقي، فماذا كان النظام في بعده الطبقي؟ كان نظام نيوليبرالي تكرس مع مجيء الحريري وخضوعه لسياسة إجماع واشنطن وصندوق النقد الدولي ونادي باريس إلخ.. هذا النهج القائم في لبنان على الاحتكارات، ورأسمال القائم على الوكالات الخاصة والاقتصاد القائم على الريع وإهمال واحتقار قيمة العمل والزراعة والصناعة. هذه تركيبة الطبقة الحاكمة التي كانت تستغل طبقياً أكثرية الشعب اللبناني، مثل هذا النظام فَقَد مبررات وجوده بالمعنى التاريخي بعد أن كان يلعب دور الوسيط في محيطه العربي. السينورة يعتقد اليوم أن بمقدوره إعادة لبنان ليلعب دوره الوسيط ما بين سوق الاستهلاك العربي والدور اللبناني «السينوري» الشاطر وكأنه لا يعرف أنه صارت مواقع في المحيط العربي بالسياحة والتجارة والزراعة وبالمطاعم والخدمات تسبق لبنان، هذا دور ولّى في البعد الاقتصادي-الاجتماعي!
نحن أمام ضرورة أنه لا يمكن أن ننهض بخطة اقتصادية إلا إذا أعدنا النظر بدور لبنان، وتم الاهتمام بتطوير القطاعات الإنتاجية لحل مشكلاته الاقتصادية عبر تطوير القطاع الصناعي والزراعي وليس فقط السياحة والتجارة والاقتصاد الريعي الخدمي أو الاستثماري. ومن هنا لا أفق مطلقاً للعودة إلى إعادة إنتاج لبنان القديم بوجهه الوطني ووجهه الاقتصادي الاجتماعي الطبقي
دعني أختم بشيء بخصوص القمة، وعلى اعتبار أن الزمان والمكان صدف أن تكون في سورية فنحن مطمئنون إلى أن هذه القمة ستصون الثوابت القومية والوطنية، فإذا حضر خادم الحرمين ورئيس نظام كامب ديفيد وإلخ فربما يبحثون في عمق الملف اللبناني أكثر مما هو حاصل الآن، وإذا لم يحضروا- وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم- فمن المحتمل أن يكون لدى هذه القمة أفق أن تصدر قرارات أكثر جذرية في الاستجابة لما هو مطلوب من هذه القمة إزاء شعوبها. وبهذه الحالة ستحتضن القمة الحالة المتقدمة التي تحققت على مستوى غزة ولبنان والعراق.
لذلك أقول إنه بين سيناريو أن يحضر من يدور في الفلك الأمريكي ويحاول أن يعطل ويضغط على سورية وبين سيناريو أن لا يحضر هؤلاء فإن المتوقع أن تكون القرارات في الحالة الثانية أقرب إلى ما صدر في قمة بيروت، أما في حال حضورهم فقد تكون أقرب إلى ما صدر في قمة الرياض. في كل الأحوال نقول إنه من حسن الصدف أن تكون سورية قائدة القمة لسنة مقبلة فنحن سنكون مطمئنين إلى إن المقاومة والعروبة ستكونان بخير..
وكل التحية لكم في قاسيون التي نتابعها دائماً.