حدثونا من فضلكم عن السيادة المصرية!
هذا مقال قديم، لكني أرجوك ألا تتركه خاصة أنه ليس طويلا ولا مملاً!، لأنه ما من مقال ينطبق على ما جرى مع قافلة شريان الحياة قدر ما ينطبق هذا المقال الذي نشر في مطلع مارس عام 2008 عندما حاول الفلسطينيون المحاصرون من كل جهات الأرض الاندفاع إلى نسمة هواء عبر حدود مصر. حينذاك ارتفعت أصوات كثيرة تكلمنا عن سيادة مصر، كما ترتفع الآن بالنغمة نفسها بشأن قافلة شريان الحياة. إنه مقال قديم، لكني أرجوك ألا تتركه.
أود الآن أن أسمع صوت تلك الجوقة التي رفعت أصواتها بالحديث عن «سيادة مصر»، وعن «الخطوط الحمراء» وعن «كرامة بلادنا» عندما اجتاز الفلسطينيون رفح إلى سيناء. حينذاك علت أصوات بلا عدد كأنما كان عبور الفلسطينيين للحدود أمرا ينتهك السيادة المصرية. الآن.. حدثونا عن تلك «السيادة» عندما تقتل إسرائيل طفلة مصرية على حدودنا، لا علاقة لها بالمقاومة الفلسطينية البطلة، ولا بكفاح ذلك الشعب الأسطوري، ولا بحماس، ولا بفتح، ولا بالجبهة الشعبية، ولا بالديمقراطية، لقد كانت مجرد طفلة مصرية تصادف وجودها على حدودنا، فقتلتها القوات الإسرائيلية. لن أتكلم عن محمد برعي، الطفل الفلسطيني الذي عاش نصف عام فقط، فقتلوه مع تسعة أطفال آخرين، ثلاثة منهم رضع، فتلك الجرائم لم تعد تهز ضمير أحد، كما أنها تقع بعيدا عن «سيادة مصر»، لكن ماذا عن «تلك السيادة» عندما يقتل أطفالنا؟!. أولئك الذين كتبوا وسودوا مئات الصفحات عن «كرامة مصر» فليحدثونا الآن عن تلك الكرامة؟! عن شيء يسير منها، عن أن إسرائيل قتلت على حدودنا سبعة وخمسين مواطناً وجندياً بنيرانها الصديقة! أين «سيادتكم»؟ أم أن «سيادتكم» تظهرون فقط عندما يعبر الفلسطينيون من جحيم الحصار إلى هواء سيناء، ليأكلوا ولو قليلاً، ويشربوا ولو قليلاً، ويتنفسوا هواء الحرية ولو قليلاً؟
وليس قتل طفلتنا المصرية سماح نايف (13 سنة) بمصادفة، أو أمراً استثنائياً، كانت الطفلة تلعب في فناء منزلها داخل الحدود المصرية بالقرب من نقطه مراقبه صهيونيه عند معبر كرم أبو سالم، حين قتلت، بالضبط كما كان الطفل الرضيع محمد برعي هادئاً ساكنا بين ذراعي أمه. فلا هي مسلحة، ولا هو مسلح، لاهي مقاتلة، ولا هو مقاتل، لكنه السياسة النازية الإسرائيلية التي تقتل الأطفال وتذبحهم علناً وعلى مرأى ومسمع من العالم المتحضر.
ألم تقتل إسرائيل منذ اندلاع انتفاضة الأقصى إلى الآن ألف طفل؟ ألم تشن حربها على لبنان؟ ألم تتوعد إيران؟ ألم تمد يدها إلي دارفور في السودان؟ أليست هي التي تفرض علينا ألا نحرك جنديا في سيناء؟ وألا ندفع بدبابة واحدة إلى رمال بلادنا؟ لكن «سيادتكم» تظهر فقط عندما يعبر المحاصرون إلى مصر، أما عندما يقتل أطفالنا علناً، فإن «سيادتكم»، وكرامتكم الزائفة، تتوارى، وتلزم الصمت، وتختفي، وتصبح خنوعاً، ومذلة، وهمساً، ولا أكثر. أما الشعب الفلسطيني البطل، فإنه ليس بحاجة إليكم، ولا إلى أقلامكم، ولا إلى صحفكم، وسيواصل ذلك الشعب الأسطوري معاركه، إلي أن يظهر الحق، وإلى أن تختفي القاعدة العسكرية المسماة إسرائيل من فوق الأرض، وستظل معه قلوب الشرفاء كلهم، وعقولهم، وأرواحهم، إلى أن تحين لحظة، فتصبح معه سواعد وبنادق ورصاص وكتائب وجنود لا ينتهي عددها، وحينئذ سيمكننا الحديث عن «سيادتنا» حقاً.