تنظيم القاعدة يستخدمها، والولايات المتحدة تؤدي الدور
من غير المفهوم أن هدف سياسات تنظيم القاعدة ليس مهاجمة الدول الغربية، هذا الهدف الذي لا يخدم القضية بشيء. فإسقاط طائرة غربية، أو تفجير مبنى من مباني الولايات المتحدة أو بريطانيا، بحد ذاته، لا يهم الإرهابيين نظراً إلى أن الإسلام الراديكالي لا يرتكب عملاً حميداً بمجرد قتله غير المؤمنين. فالهدف الجوهري الذي يبغيه تنظيم القاعدة هو إحداث تمرد في العالم الإسلامي يتيح للإسلام التخلص من الحكومات الفاسدة والممارسات الخبيثة!
عندما يعلن غوردون براون أو باراك أوباما أن على جيوش الغرب محاربة الإرهابيين خارج الحدود كي لا يضطروا إلى محاربتهم داخل مدن الغرب، يبدوان ساذجين، وهما اللذان يفترض بهما أن يكونا رفيعي المعرفة، محنكين!
فلماذا يتعين على تنظيم القاعدة أو حركة طالبان خوض حرب في «بيوريا، إلينوي»، أو في ضواحي لندن الخضراء، حيث لا هدف يمكن ضربه؟ ولا وجود لما يمكن كسبه في معركة المتطرفين الإسلاميين: معركة صبغ العالم الإسلامي بطابع التطرف، واسترداد إخوتهم في العقيدة من أتون هرطقات الغرب وممارساته!
إن الدافع الحقيقي لمهاجمة الغربيين على أرضهم، أو استهداف الطائرات المتجهة إلى الغرب هو تحريض الحكومات الغربية وحثها على إرسال مزيد من القوات العسكرية إلى أفغانستان وباكستان واليمن وكل بقعة من بقاع العالم الإسلامي، لمقاتلة الجهاديين الإسلاميين على أرض المسلمين الذين يستطيعون الاستفادة تكتيكياً من عامل العنصر البشري الذي لن يستطيع جنود الغرب التغلب عليه أبداً.
إضافة إلى أن مهاجمة الجيوش الغربية للدول الإسلامية وإنشاء القواعد العسكرية على أراضيها يثيران مشاعر الناس العاديين دافعاً إياهم باتجاه التطرف، ويسيئان، بالتالي، إلى صورة حكومات تلك الدول التي تنحاز إلى صف الغزاة، بعيون المؤمنين الحقيقيين بالإسلام، وإظهارها خائنة لمعتقدات المسلم التقليدي.
هكذا تدخل الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي لعبة تنظيم القاعدة، كلما ذخّرت طائرة وملأتها بالعسكر المرسلين إلى العالم العربي أو آسيا الوسطى.
يرد في أحد عناوين الصحافة الفرنسية الرئيسية: «إن وكالة المخابرات المركزية والقوات الخاصة الأمريكية تقدم المساعدات السخية للحكومة اليمنية». أما العنوان الرئيسي لتقرير نشرته صحيفة «انترناشونال هيرالد تريبيون» فيقول: «فساد اليمن يخوض حرب القاعدة». ويفيد هذا التقرير بأن حكومة الرئيس اليمني «تعج بأقربائه وأفراد عائلته... وتريد ضمان أن يخلفه ابنه أحمد (38 عاماً) في الرئاسة». ويضيف كاتب التقرير أن «الاقتصاد اليمني قد انهار، وانخفضت عائدات النفط، مع اقتراب نفاذ مخزنها النفطي والمائي أيضاً». هذا هو النظام الحليف للأمريكان!
وفي أواخر العام الفائت، سمعنا وقرأنا عن الفساد المقيم في عائلة الرئيس حامد كرزاي، الفساد الذي أفضى إلى رفض نتائج الانتخابات الأفغانية بسبب تزويرها. وها هو الرئيس الأفغاني قد أمر برلمان البلد بإنهاء عطلته من أجل التصويت على مرشحي طاقمه الحكومي، وقدم 17 اسماً جديداً من أصل 24 وزيراً، رفضهم البرلمان جميعاً. كرزاي بالطبع هو الرجل الذي عينته الولايات المتحدة الأمريكية في منصبه لينشر الديموقراطية في أفغانستان، وينقذها أيضاً من حركة طالبان وتنظيم القاعدة!!
لا يجد نفسه متهاوناً حيال الفساد المنتشر في الخارج أي أمريكي يتابع «فالس» أعضاء مجلس شيوخ الولايات المتحدة مع أعضاء جماعات الضغط التابعة للصناعات الصحية، خلال المعمعة الدائرة حالياً لإصدار تشريعات إصلاح نظام الرعاية الصحية الأمريكي. لذلك، إذا كان جيش الولايات المتحدة الأمريكية المحتل يعيّن أو يساند حكومات الأفغان وباكستان واليمن، فمن الطبيعي أن ينظر المواطن العادي في أي من هذه البلدان إلى الأمريكيين والأطلسيين كمصدر فساد لدولته، وربما مصدرها الرئيس.
وعدا عن ذلك، لا يحارب تنظيم القاعدة وحركة طالبان فساد الحكومات من أجل إصلاحها. وإنما بهدف زعزعة استقرارها وصولاً إلى تدميرها التام، وبالتالي إيجاد فراغ سياسي يستخدمه أربعون مليون من البشتون وحلفائهم من عرب السنّة لإقامة حكم سياسي شرعي إبان انحطاط الغرب.
إنها فانتازيا خيالية، لكنها الفانتازيا التي تنزلق فيها الولايات المتحدة والناتو إلى لعب الأدوار الرئيسية.
ويليام بفاف - ترجمة: أ. ج