الأزمة الاقتصادية والحرب

بينما ينصب اهتمام العالم على الأزمة الاقتصادية العالمية، تواصل الولايات المتحدة شن حربها الاستعمارية الجديدة في العراق وضاعفت من حجم العنف في عملياتها العسكرية في أفغانستان ومناطق باكستان الحدودية.

وقد جرت الإشارة إلى قرار توسيع الحرب الاحتلالية في أفغانستان الشهر الماضي بكشف أنّ الرئيس بوش وقّع في تموز أمراً سرياً يسمح باستخدام قوات برية أمريكية في باكستان.

وفي أفغانستان نفسها، كثّفت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو من هجماتهم على أهدافٍ عسكرية ومدنية بهدف قمع حرب مقاومة ضد الاحتلال الأجنبي تزداد قوةً.

أصبح الوضع العسكري والسياسي الأمريكي في أفغانستان قضيةً رئيسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والديمقراطي باراك أوباما، المتصدر لاستطلاعات الرأي، هو الذي أظهر حماساً أكبر في ترويجه لتصعيدٍ كبير للتدخل الأمريكي. ففي خطاب ألقاه في فرجينيا، قال إنّه سيرسل قوات تعزيز أمريكية إضافية، ربما يبلغ عددها 15 ألف جندي أو أكثر، ما أن يقبع في البيت الأبيض. وصرّح قائلاً: «آن الأوان لسماع نداء أولئك المطالبين... بمزيدٍ من الجنود. لذا، سأرسل على الأقل كتيبتين أو ثلاثاً إضافية إلى أفغانستان».

«اندفاعاتٌ بلاغية»، هذا هو الوصف الذي قدّمه أوباما لتصريحاتٍ أطلقت أثناء حملة جمع أموال في سياتل نظمها رفيقه السيناتور جوزيف بيدن ونصّت على أنّ الرئيس سوف يردّ على أية أزمة كبرى في السياسة الخارجية بعد ستة أشهر من انتخابه باتخاذ قرارات «قاسية بشكل لا يوصف» وغير شعبية. ذكر بيدن خمسة مراكز محتملة للنزاع: الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان وكوريا الشمالية وروسيا.

لم تكن الملاحظات المرعبة التي أدلى بها بيدن «اندفاعاتٍ بلاغية»، وهو ما أكده مقال مطوّل نشرته صحيفة نيويورك تايمز وكتبه مراسل الصحيفة في البيت الأبيض ديفيد سانغر، الذي حلّل مواقف أوباما وخصمه الجمهوري السيناتور جون ماكين في مجال السياسة الخارجية. أشار سانغر إلى مسائل أساسية يتخذ بصددها أوباما موقفاً أكثر عدوانيةً من موقف ماكين.

بالنسبة لإيران على سبيل المثال، قال ماكين إنه مستعد لقبول اتفاق يسمح لإيران بإنتاج اليورانيوم على أراضيها، في حين سرّب معسكر أواباما للصحيفة بأنّ البيت الأبيض بقيادة أوباما «لن يسمح لإيران بإنتاج اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، وهو ما يلتقي بالخط المتشدد الذي تنتهجه حكومة بوش».

يشير سانغر إلى أنّ أوباما صرّح قائلاً: «لن نستبعد الخيار العسكري أبداً» وبأنّه لن يعطي الأمم المتحدة «حق الفيتو» بصدد قرارٍ بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. يواصل سانغر قائلاً إنّ مسؤولين في المخابرات الأمريكية يؤكدون على أنّ «عتبة» ضربة عسكرية محتملة ـ النقطة التي تنتج فيها إيران ما يكفي من المعدات النووية لصنع سلاح ـ «ربما يجري بلوغها في وقت مبكر أثناء الولاية الرئاسية المقبلة».

كما قال أوباما إنّه يتوجب على الولايات المتحدة فرض مقاطعة على الواردات الإيرانية من البنزين والمشتقات النفطية المكررة. مشيراً إلى أنّ حكومة بوش لم تمض إلى حد اقتراح مثل هذا الإجراء، كتب سانغر: «غير أنّ مقاطعةً ربما تشكّل فعلاً حربياً»..

وبصدد مسألة باكستان، كتب سانغر: «السيد أوباما هو الذي أبدى استعداداً أكبر بكثير من ماكين للتهديد بإرسال قوات أمريكية».

يتحدث أوباما، بقدر ما يتحدث ماكين، بوصفه ممثلاً لطبقة أمريكية حاكمة، سوف تملي السياسة الخارجية والعسكرية الأمريكية وفق ما ترى أنه مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية في العالم.

سوف تؤدي الأزمة الاقتصادية ذات الطابع الشامل، رغم أنها تتمركز حول أفول الموقع الاقتصادي للإمبريالية الأمريكية في العالم، دون أدنى شك إلى دفع هذه السياسة في اتجاه أكثر عدوانيةً وحربية، أياً كان الحزب الرأسمالي الذي سيحتل البيت الأبيض. تمثّل الأزمة الاقتصادية في عالم الأعمال الدولي مصدراً متزايداً للتوتر والنزاع بين الأطراف الإمبريالية والرأسماليين المتنافسين.

سوف تحاول الولايات المتحدة، أكثر مما فعلت في العقد المنصرم، تعويض أفولها الاقتصادي في سياق اضطرابٍ مالي وتراجعٍ اقتصادي بوسائل عسكرية. ينبغي استخلاص دروس من التاريخ.

لقد أدت آخر أزمة اقتصادية كبرى ـ الركود في الثلاثينات ـ إلى سلسلة من النزاعات المسلحة وأفضت إلى مذبحة الحرب العالمية الثانية.

تجري الانتخابات الأمريكية للعام 2008 في سياق انحسار عميق، وتصاعد للعنف العسكري، وهي تشير إلى الأخطار الهائلة التي تطرحها أوهام أوباما والحزب الديمقراطي السياسية. مرةً أخرى، جرى خنق الشعور القوي المناهض للحرب لدى الشعب الأمريكي عبر تحويله خلف الجناح الديمقراطي للإمبريالية الأمريكية.

إذا فاز أوباما في الانتخابات، وهذا ما يزداد ترجيحاً، سيتوجه النضال ضد العسكرة والحرب، ضد حكومته.