أيها الفلسطينيون.. هل أنتم خطرون جداً؟!!
لم يحدث على مدى التاريخ أن أقيم سجن يتسع لأكثر من مليون ونصف سجين. قامت نظم مستبدة وفاشية، قيل إنها جعلت من بلدانها سجونا لشعوبها. لكن هذا الوصف لم يكن منطبقاً بدقة متناهية على أي شعب أو بلد مثلما هو منطبق على الشعب الفلسطيني في غزة.
وربما تكون تجربة سجن غزة تستهدف توفير الخبرة للتعميم على مستوى المنطقة في المستقبل.
آمرو السجن يعيشون في قصور الرئاسة في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وروما وتل أبيب.. الخ. أما السجانون فيعيشون في القصور الرئاسية والملكية في عواصم ومنتجعات عربية، ويحملون لقب ملك أو رئيس.
نصاب بالغثيان حينما نرى حكوميين مصريين ينكرون مسؤوليتهم عما يحدث في غزة على القنوات التليفزيونية. ويبررون مواقفهم بالخوف على الأمن القومي المصري، دونما أي اعتبار لمصدر التهديد الحقيقي. فالتهديد لا يأتينا من مجموعات المقاومين أو المدنيين العزل الذين يدفعون دماءهم وأرواحهم ثمناً للدفاع عما تبقى لهم من أرض. مقاومون لايملكون الحد الأدنى من السلاح والعتاد، ومدنيون لا يملكون الحدود الدنيا من مقومات الحياة. ولكن الجميع يملكون إرادة صمود لا تقهر.
الأمن القومي المصري لم يكن مهدداً كما هو الآن. إذ يقوم العدو الصهيوني بقصف الحدود الفاصلة بين مصر وغزة. حيث تهدمت بيوت مصرية فوق رؤوس أصحابها، وتصدعت بيوت فر سكانها وتركوها.
الأمن القومي المصري مهدد بترسانة هائلة من الأسلحة التقليدية وما فوق التقليدية، ومن أسلحة الدمار الشامل (النووية وغيرها) التي يملكها العدو. كما يهدد أمننا القومي الوجود العسكري الأمريكي والأطلسي في دول الخليج وفي العراق وفي البحرين المتوسط والأحمر.. الخ.
العدو الصهيوني لا يرى عدواً لدوداً وخطراً أكثر من مصر. والصهاينة (بعكس الطبقة الحاكمة في مصر) لا يرون أن مصر هي حكامها، وإنما يرون أنها جغرافيا وتاريخ وشعب. ومنذ سنوات قال شيمون بيريز عن اتفاقيات الصلح بينهم وبين مصر إنها لاتعدو كونها مجرد أوراق يمكن– بعد جيلين أو ثلاثة– أن يأتي من يمزقها.
لكن ما يؤكده الواقع الراهن للغالبية الساحقة، الساحقة من المصريين هو أن الأمر لن ينتظر كثيراً.
لقد أصبح الابتزاز بتهديد الأمن القومي– على غير الحقيقة– أمراً مفزعاً. ليس فقط من النكرات التافهين الذين تمتلئ بهم شاشات القنوات الفضائية خاصة المصرية ويتم تقديمهم كباحثين وخبراء، أو ممن ينتمون لما يسمى بلجنة السياسات بالحزب الحاكم ممن لا يفقهون كلمة واحدة في السياسة ولا يملكون سوى الصراخ. لكن الابتزاز أضحى السمة الأساسية للسلطة.
منذ شهور عدة، ولدى احتدام قضية المشروع النووي الإيراني، ظهر مبارك في مناسبة ما على شاشة التلفزيون، ليقول إن هذا المشروع خطر على بلدان الخليج ومصر (وحتى على إسرائيل!!). ولا يكاد يمر يوم دون ترديد هذا الأمر، بحيث أصبح «إسهال» التصريحات التي يدلي بها أبو الغيط يبتغي صرف الانتباه عن الخطر الحقيقي وافتعال أعداء وهميين وأخطار وهمية بديلة عن الخطر الصهيو- امبريالي.
في السياق ذاته لايخجلون من التذكير بتضحياتنا في حروب مصر ضد إسرائيل، ناسين أن هذه الحروب كلها كانت دفاعية، بما فيها حرب أكتوبر 1973 التحريرية المجيدة التي تمت خيانتها. وينسون– إذ تحول ثقافتهم الضحلة دون إدراك ذلك– أن الأمن القومي المصري قد تحدد ووضع على أرض الواقع منذ أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام عقب طرد الغزاة الهكسوس، وعلى قاعدة ارتباط مصر بالمنطقة المعروفة الآن بالمشرق العربي. وأصبح الأمن القومي المصري– بل ومصر ذاتها– كما المشرق العربي، مرتبطين وجوداً وعدماً، حاضراً ومصيراً. وهي حقيقة ظلت مدركة لآلاف السنين. أدركها حتى علي بك الكبير الأمير المملوكي قبيل الحملة الفرنسية على مصر، كما أدركها محمد علي باشا وابنه القائد إبراهيم، وأدركها جمال عبد الناصر. ومن أجل هذا تم زرع الغرب في قلب وطننا العربي في شكل أكبر قاعدة عسكرية تتخذ شكل دولة يتهدد خطرها عالمنا العربي وإقليمنا برمته.
لقد حاربنا وضحينا وقدمنا عشرات الألوف من الشهداء فعلاً، ولكن ليس لمجرد العطف على أشقائنا الفلسطينيين. وإنما حاربنا عدواً واحداً مشتركاً يستهدفنا جميعاً. وسيظل الأمر على هذه الحال لحين اقتلاع هذا الكيان من المنطقة. ويؤكد الواقع الموضوعي ذلك الأمر. لأن ماتم لم يكن سلاماً وإنما مجرد تسوية مشينة. ولأن السلام ساقط سقوطاً استراتيجياً، ومنعدم موضوعياً، فلا سلام مع اغتصاب.
أصابنا عمرو موسى بالخزي، إذ جلس بجوار رئيس الكيان الصهيوني وعلى منصة واحدة في دافوس– لا أعرف بأية صفة ذهب– ولم ينفعل وينسحب مع رئيس وزراء تركيا احتجاجاً على انحياز من كان يدير الاجتماع لأكاذيب وافتراءات رئيس الكيان المعادي، وذلك التصفيق الحار من الحضور له رغم أنه لا أحد منهم يجهل الحقيقة بعد أن أذيعت كل الجرائم على شاشات الفضائيات.
وهنا نتوقف أمام أمرين:
الأول أن منتجع دافوس هو أحد مراكز إدارة الحركة الصهيونية، وهو يتخذ كمركز لتفاهمات القوى الامبريالية (المتصهينة) لإدارة نهب الدول النامية.
الثاني هو أن الصدمة التي أصابت البعض من موقف عمرو موسى ليست في محلها. فهو ليس أكثر من ظاهرة صوتية. والأنكى أنه هو من قام بإغلاق ملف جريمة قيام جيش العصابات الصهيونية بإبادة الأسرى من الضباط والجنود المصريين في عدوان عام 1967 بعد أن تم افتضاح الأمر بمعرفة الكيان الصهيوني.
في النهاية فان الحقيقة المؤكدة تقول بأن الحكام الذين يقومون بتجويع شعوبهم ويستبدون بها ويفرطون في حقوق أوطانهم، لا يمكنهم أن يتخذوا سوى هذه المواقف الشائنة.