الانتخابات الإسرائيلية وأوهام السلام
.. منذ قيام الكيان الصهيوني واحتلال فلسطين عام 1948 جرى ثمانية عشر انتخاباً للكنيست الصهيوني، ومنذ انتخاب أول كنيست وحتى الآن لم يستطع أي حزب إسرائيلي أن يشكل حكومةً بمفرده. كما لم تخل أية حكومة إسرائيلية من وجود حزب ديني متطرف إلى جانب الحزب الأكبر الفائز في الانتخابات، سواء أكان من أحزاب حركة العمل الصهيوني أم من أحزاب «اليمين العلماني» المتطرف. ولم تكن يوماً التباينات بين جميع الأحزاب الصهيونية على اختلاف أسمائها ذات طابع استراتيجي أو تناحري، لأن مرجعيتها الفكرية هي الأيديولوجية الصهيونية- العنصرية المرتبطة بالإمبريالية العالمية.
من هنا فإن مصطلح «اليمين واليسار» في الكيان الصهيوني، هو تصنيف ذو طبيعة سياسية محددة لا يعكس أبداً وجود قوى يسارية بالمفهوم الاجتماعي- الاقتصادي، لأن جل التجمع الاستيطاني- الصهيوني هو من النمط الاستعماري- الإحلالي قائم على «مقولة» إمبريالية- صهيونية مشتركة مفادها أن فلسطين «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»!
بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة جرى ترويج إعلامي مكثف وغير مسبوق لوجود «يسار ويمين» بين الأحزاب الفائزة في تلك الانتخابات، ولا نحتاج هنا كبير جهد لإثبات تطرف وفاشية تلك الأحزاب وقياداتها من كاديما والليكود و«إسرائيل بيتنا» وحزب العمل وحركة «شاس» الدينية المتطرفة. ويكفي التذكير بأن شعبية أي قائد أو حزب صهيوني داخل الكيان مرتبطة بالعداء المطلق للعرب وللحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وبحجم المذابح والحروب التي شنتها هذه القيادة أو تلك ضد الشعوب العربية على مدار العقود الستة الفائتة.
ليس هناك لدى قيادات الكيان الصهيوني من حلول لقضية الشرق الأوسط إلا حلول القوة مع العلم أن جميع القادة الصهاينة من بن غوريون حتى ليفني وأولمرت جربوا تلك الحلول ولم ينجحوا إلا في تطويع وتخويف النظام الرسمي العربي، الذي استسلم منذ كامب ديفد لإملاءات الإمبريالية والحركة الصهيونية العالمية، من خلال اعتبار «السلام خياراً إستراتيجياً وحيداً». وكان الرد الصهيوني- الأمريكي على أي تنازل عربي، مزيداً من الحروب والاعتداءات، والمجازر وتهويد الأراضي العربية المحتلة وزرعها بالمستوطنات وجدران الفصل العنصري، دون أية التفاتة ل«مبادرات السلام العربية الرسمية» وأوهام السلام لدى النظام الرسمي العربي!
لا نعتقد أنه مجرد مصادفة أن يرتبط بروز الأزمة داخل النظام الرأسمالي العالمي وداخل الولايات المتحدة الأمريكية بالذات في مطلع هذا القرن مع بداية انهيار «نظرية الردع الإسرائيلية»، ليس فقط لأن الكيان الصهيوني هو الثكنة العسكرية المتقدمة للإمبريالية العالمية في منطقتنا، بل لأن انعطافاً ونهوضاً ثورياً قد بدأ على المستوى الكوني عماده رفض الشعوب- من أمريكا اللاتينية حتى الشرق الأقصى- للهيمنة الإمبريالية، وبروز خيار المقاومة الشاملة كمخرج وحيد لمواجهة قوى الرأسمال المعولم والمسلح.
كما أنه ليس مصادفة أن تتكرر هزيمة الجيش الإسرائيلي ثلاث مرات في الأعوام 2000، 2006، 2009، على أيدي المقاومة الباسلة في لبنان وفلسطين وقد صدق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله فيما قاله: «إن الشعوب العربية والجيوش العربية لم تكن تنقصها الشجاعة، بل كانت تحتاج إلى قرار سياسي شجاع وإرادة سياسية للمواجهة». شتان بين من يخاف العدو المحتل ويلجأ إلى تقديم التنازلات المهينة ويفرط بالأرض والمقدسات، وبين من يعلن التزامه خيار المقاومة الشاملة اعتماداً على الشعب كطريق وحيد لتغيير ميزان القوى واسترداد الحقوق والأرض المحتلة. فالحصول على السلاح ليس هو المشكلة، فهذا قد توفر للمقاومة البطلة في لبنان وقطاع غزة رغم الحصار الدولي والعربي الرسمي، «لكن الفرق هو أن المقاومة تملك إرادة وتملك شجاعة أن تستخدم هذا السلاح» ضد العدو الصهيوني الذي يمتلك أحدث ترسانة عسكرية في العالم، ولكنها فشلت وهزمت أمام الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة.
.. وهنا الاستنتاج الأهم، وهو أنه أمام صمود وانتصار المقاومة ثلاث مرات متتالية على الجيش الصهيوني، ليس غريباً أن تتكالب قوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية ضد خيار المقاومة الذي سيكون له قصب السبق وشرف دحر المخططات الأمريكية- الصهيونية من شرق المتوسط حتى بحر قزوين.
.. وبالعودة إلى دلالة النتائج في الانتخابات الإسرائيلية، نؤكد أنه ليس هناك أية أجندة للسلام لدى كل الأحزاب الصهيونية وهذا يثبت أن غريزة العدوان هي التي تحكم التجمع الاستيطاني- الصهيوني الخائف من المستقبل، لأن الجيش الإسرائيلي لم يعد حاضنة الأمان أو ضمان الوجود اللاحق خصوصاً بعد إثبات فعالية خيار المقاومة داخل وخارج فلسطين، بغض النظر عمن سيشكل الحكومة الإسرائيلية القادمة من القادة الحاليين فقد سبق لهم أن جربوا الحرب على المقاومة وفشلوا جميعاً.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.