بداية مرحلة..
جرى إضراب 6 ابريل. لم يكن بحجم وضخامة إضراب العام الماضي. إلا أنه حقق نجاحاً لاشك فيه، حتى وإن كان جزئياً. ففي كل الأحوال مثل سياقاً لإضرابات لم تتوقف إطلاقاً في طول البلاد وعرضها على مدى عام كامل. وكان إضراباً نوعياً لعب فيه الشباب الدور الرئيسي، وامتد إلى عدة محافظات وجامعات في ظل حصار أمني لم تشهد البلاد له مثيلاً، وتهديدات واعتقالات وترويع قبله وفي أثناءه. فأسهم إسهاماً حقيقياً في تكريس ثقافة الإضراب كسلاح بيد الناس، وكطريق للتغيير السلمي وتجنيب البلاد ويلات هي في غنى عنها.
لمناسبة هذا الإضراب، يستحق الأمر وقفة مختصرة لتقييم الوضع السياسي في البلاد.
على جبهة السلطة لايتطلب الأمر تفصيلاً، إذ أنها استنفذت مبررات ومقومات وجودها وشرعيتها منذ أمد طويل. وكان ذلك نتاج سياسات التخريب المتعمد للبلاد وأغلب عناصر قوتها الشاملة.
وعلى جبهة المعارضة «الشرعية» فقد اتخذت أحزابها الرئيسية الأربعة وهى التجمع (وملحقه من بقايا الحزب الشيوعي المصري) وحزب الوفد والحزب الناصري وحزب الجبهة موقفاً معارضاً للإضراب، فأخرجت نفسها تماماً من المعادلة السياسية.
على جبهة القوى المحجوبة عن الشرعية، وهي الإخوان المسلمون وبعض القوى الليبرالية وجميعهم يعارضون السلطة من الخندق الاجتماعي نفسه (أي التمسك بالمشروع الرأسمالي التابع نفسه، فهؤلاء لم يشاركوا في إضراب العام الماضي. وفي هذا العام لم يحددوا موقفاً بل ظلوا يراوحون، وأسفر الأمر في النهاية عن مشاركة ضئيلة من بعض طلاب الإخوان في بعض الجامعات. السبب غير المعلن، بطبيعة الحال، لهذا الإحجام هو رغبة الولايات المتحدة في إدماجهم في العملية السياسية في مصر. ولعل الزخم الهائل للتحركات الأمريكية، وذروتها زيارة «أوباما» لتركيا التي يحكمها الفرع التركي للإخوان المسلمين (حزب العدالة والتنمية) يعطي مؤشرات واضحة لذلك. إذ أثبتت التجربة التركية أن هذا التيار لا يمثل أي خطر على الأوضاع الاقتصادية– الاجتماعية الرأسمالية. ولعل تصريح عبدالله جل رئيس تركيا أمام «أوباما» عن تطابق موقف تركيا مع الولايات المتحدة في السياسة والاقتصاد يعطي دليلاً آخر.
الليبراليون خارج حزب الوفد، وغالبيتهم الساحقة من الليبراليين الجدد سواء في حزب الغد (جناح أيمن نور) والأفراد المستقلين، متمسكون بخط ما يسمى «الإصلاح السياسي» دون أي مساس بالأوضاع الطبقية (أي الاقتصادية– الاجتماعية الرأسمالية) الراهنة. ويلحق بهم إصلاحيو «الطبقة الوسطى» الذين يعملون على تزيين وجه الرأسمالية ببعض المساحيق لكي يتأبد استمرارها جاثمة على صدورنا.
على جبهة المعارضة للسلطة، والتي تتماثل مواقفها الوطنية وتتفاوت مواقفها الاجتماعية فهي:
حركات الاحتجاج الاجتماعي التي نشطت نشاطاً عارماً، تمثل في إضرابات العمال التي لم تتوقف، وانتفاضات الفلاحين، وحركات القضاة وأساتذة الجامعات والمهندسين والمحامين والصحفيين والمدرسين والموظفين...الخ، والتي تضمن بعضها تحركات ذات طابع سياسي.
حركة شباب 6 ابريل، وهي ظاهرة ايجابية وواعدة للغاية في الحياة السياسية المصرية، إذ يعبر خطابها عن قدر عال من النضج السياسي والاجتماعي والفكري وجذرية الموقف الوطني والجسارة في آن واحد.
اليسار الواسع. أي الناصريون والشيوعيون والماركسيون والشخصيات الديمقراطية والتقدمية، في حركاتهم وتنظيماتهم، أو كمستقلين.
حزب العمل الذي تم تجميده بمعرفة السلطة، رغم تواجده السياسي والتنظيمي على الساحة.
حركة كفاية التي تنخرط في إطارها شخصيات من كل القوى المشار اليها .
ويتمثل التطور الايجابي للوضع السياسي في بدء بناء (ائتلاف المصريين من أجل التغيير) الذي تم الإعلان عنه مؤخراً، والذي ضم عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية والمثقفين من قوى المعارضة المشار إليها ومن خارجها، التي التقت على نقاط برنامجية تمثل الحد الأدنى الذي أمكن التوصل إليه، حيث يقوم نضال الائتلاف على العمل السلمي لتخليص البلاد من هذه السلطة.
ولكي يحقق هذا الائتلاف هدفه في التغيير في الظروف الصعبة والمعقدة الراهنة، ولتأمين تطور سلمي وتقدمي للبلاد وإخراجها من الحالة المزرية التي تعيشها على كل المستويات، وفي ظروف تفشي العنف والفوضى في المجتمع، فلابد من أن يعمل الائتلاف على تجنب المنزلاقات والمخاطر ونقاط الضعف المتمثلة فيما يلي:
أنه خارج الخريطة السياسية الحالية، يقف أكثر من 70 مليوناً من المصريين غير المنتمين سياسياً، وكذا مجموعات معارضة نزيهة، جميعهم يحجمون عن العمل المشترك بسبب الثقة المفقودة التي خلفتها ممارسات الأحزاب الشرعية والممارسات السياسية في الماضي. ويجب السعي لهم.
إن المكونات المنشودة للائتلاف (وفي مقدمتها حركات الاحتجاج الاجتماعي) وكذا الجماعات والحركات والتنظيمات السياسية ينبغي تجميعها في اطار ناظم ومحكم دون الاعتداء على استقلاليتها السياسية والتنظيمية والفكرية أو التمييز بينها.
لا ينبغي استمرار غياب الرؤية الموحدة إزاء الموقف من قوى وطنية هائلة القدرة والتأثير الفاعل في مجريات التطور الوطني، والتغافل أو الالتباس في ادراك التجربة التاريخية لمصر في العصر الحديث (أي منذ محمد علي حتى يوليو 1952).
ضرورة إدراك الخطر المتخفي الكامن في القوى الاصلاحية أو المطبعة مع العدو علناً أو خفية، والحيلولة دون اختراقها للائتلاف.
إن القضية الكبرى التي نتصدى لها أكبر بكثير من قضايا الأسعار وغلاء المعيشة وتحسين الأجور...الخ. إنها النضال من أجل ارساء سلطة طبقية جديدة بديلة عن سلطة الرأسمالية النهابة والتابعة الحاكمة، وفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من التحرر الوطني والتقدم والعدالة الاجتماعية الحقيقية. أي سلطة لانجاز مشروع نهضوي شامل، لمصلحة كل الكادحين عضلياً وذهنياً الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المصريين. وأن تعود مصر قوية إلى أمتها وإلى دورها العالمي.