لماذا الحملة المسعورة؟
شيء مفجع هو تلك الحملة المسعورة الموجهة ضد حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله ، حتى أثناء التحقيق أمام النيابة في الواقعة المنسوبة الى الحزب، وإعطاء البعض لنفسه حق إصدار حكم غير قابل للنقض. والغريب أنه تم تجاهل القاعدة المتبعة في مصر بحظر النشر في بعض القضايا منعاً للتأثير على التحقيق أو المحاكمة. أي لحماية العدالة من أي مؤثرات خارجية. رغم أنه ومنذ شهور قليلة تمت محاكمة صحفيين كبارٍ بتهمة خرقهم لحظر النشر في قضية مقتل الفنانة اللبنانية المتهم فيها أحد أقطاب الحزب الوطني الحاكم، عضو لجنة السياسات بالحزب وضابط سابق بمباحث أمن الدولة.
الجو العام في مصر الآن كما لو أن البلاد في حالة حرب حقيقية، ويتم استخدام وسائل الاعلام وخصوصا الحكومية للتحريض والتهييج المبتذل ضد المقاومة كما لم يحدث من قبل، تحت شعار «تهديد الأمن القومي، والاستقرار المصري»(!!). وإمعاناً في التزييف فإن رئيس تحرير صحيفة حكومية كتب أن الهدف من وراء ما قام به حزب الله هو «الوقيعة بين مصر واسرائيل»!! ويضفي هذا الغثاء طابعاً ثأرياً ومبتذلاً على تلك المواقف التي وضع أصحابها أنفسهم في خندق واحد مع العدو الصهيوني بشكل معلن وصريح. غير أن أخطر ما في الأمر هو تسييس القضية ونزع الطابع القانوني عنها.
بداية نشير إلى فشل الطبقة الحاكمة التابعة وسلطتها السياسية على مدى ثلاثين عاماً في إسقاط «صورة العدو» عن الكيان الصهيوني، وظل الشعب المصري بغالبيته الساحقة يدرك بيقين لم يهتز من هو العدو، ووصل إلى اليقين نفسه خلال السنوات الماضية بالنسبة للامبريالية الأمريكية. وتفاقمت حالة العداء الآن بدرجة تفوق كثيراً فترات حروب أعوام 48 و56 و67 و1973. لقد وصل الشعب المصري إلى هذا الموقف بفعل تجربته الذاتية، وبحكم الواقع فإن التجربة الذاتية تفوق في تأثيرها قدرة كل الناعقين (أبواق الامبريالية والصهيونية) رغم الأموال التي يضخها لهم الامبرياليون والصهاينة، بأمل طمس الذاكرة وروح الانتماء الوطني، وتكريس التبعية والهوان والاستسلام والرضوخ للعدو. وبطبيعة الحال فقد انعكس هذا الوضع على موقف الشعب المصري من كل من يقاوم العدو الصهيو– امبريالي تقديراً واحتراماً وتأييداً.
ولذلك فان رد فعل السلطة المصرية بهذا العنف الذي فاق كل تصور، وتصوير الأمر كما لو أن حزب الله قد أعلن الحرب «النووية» على مصر، وتلك التطاولات البذيئة على السيد حسن نصر الله، وهو واحد من أشرف وأصدق رجال العصر، أعد وقدم ابنه مقاوماً وشهيداً في سبيل وطنه، ولم يجهد نفسه في إعداده لتقديمه رئيساً مليارديراً... رد الفعل بهذا الحجم يؤكد عدة أمور يحكمها سياق ما يجري في العالم الآن، وما يستهدفه العدو الصهيو– امبريالي في اقليمنا العربي وتخومه الإسلامية.
إن السياق العام للتطور العالمي في ظل الأزمة العالمية غير المسبوقة للرأسمالية، هو باتجاه صعود عارم لقوى التقدم والتحرر الوطني وللجماهير الشعبية في كل مكان، بنتيجة تضاعف معاناتها من وطأة الاستغلال والنهب الوحشي والمدمر للثروات البشرية والمادية. ولذلك فان الامبريالية والقوى التابعة والعميلة لها التي تعاني من التراجع، تتهيأ لمواجهة مرحلة من الصراع الطبقي العالمي الهائل، ويعملون على رص صفوفهم على المستويات المحلية والاقليمية والعالمية بدرجة غير مسبوقة، لمواجهة الشعوب وقوى التحرر الوطني والتقدم والاشتراكية، بأقصى درجات العنف.
والمؤسف حقاً هو أن قوى الأعداء، إذ يدركون تماما أهدافهم، ويعملون على التحضير للمعركة الفاصلة، فإن قوى التحرر الوطني والتقدم والاشتراكية أقل ادراكا للقادم في المدى المنظور.
من هذه النقطة أستطيع أن أفهم الموقف من الواقعة المنسوبة لحزب الله. وكيف يجري دفعها ككرة الثلج لتضخيمها في كل لحظة، ناسين أن كرة الثلج هشة بطبيعتها وسريعة الذوبان.
فما هي المقاصد الواضحة والمنظورة لهذا الأمر؟
• طمس حقيقة أن العدو هو الكيان الصهيوني والامبريالية عموما (الأمريكية خصوصاً) واستبدال هذا العدو الحقيقي بعدو موهوم هو حزب الله المنحاز تماماً لقضايا التحرر في المنطقة.
• اختراع خطر وهمي من العدو الجديد يلهي الناس عن الكوارث المعروفة للقاصي والداني التي أحدثتها السلطة التابعة (الجوع والبطالة والأمراض والإفقار الذي أوصل أكثر من نصف المصريين الى ما تحت خط الفقر ...الخ)
• ترويع القوى المقاومة للعدو الصهيو– امبريالي وعملائه المحليين، وإسكات صوتها أو تغييبها في السجون أو القبور إن لزم الأمر، بهدف إجهاض الانفجار الاجتماعي الحتمي.
• توهمهم بإمكانية النيل من هيبة حزب الله مصرياً وعربياً ودولياً، والتأثير على الانتخابات اللبنانية لصالح أصدقائهم من العملاء اللبنانيين.
• التغطية والتمويه على الحروب المحتملة التي يهدف الكيان الصهيوني أو العدو الأمريكي أو كلاهما إلى شنها ضد أي من سورية وإيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية أو ضدهم جميعاً بهدف إنهاء أية مقاومة في الإقليم، وتحييد الشعب المصري تجاه ذلك.
• إرضاء الأمريكيين والصهاينة، والحصول على مباركتهم للتوريث في مصر.
إن واجب كل القوى الوطنية والتقدمية المقاومة للمشروع الصهيو– امبريالي المعادي للجنس البشري، هو الصمود والتضامن وتشديد النضال، وعدم الخضوع للابتزاز والترويع لأن القضية في حقيقتها هي قضية بقاء.. قضية وجود.