من «تحرير العراق» إلى «الفجر الجديد»!!

بدأ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 بشعار «تحرير العراق» وفي الأول من أيار من ذلك العام أعلن جورج بوش من على متن حاملة الطائرات ابراهام لينكولن عبارته الشهيرة «المهمة أنجزت» بمعنى «انتهاء المهمة القتالية والانتصار في الحرب». ولكن بعد سبع سنوات من ذلك التاريخ بكل ما اقترفته قوات الاحتلال من جرائم حرب موصوفة ضد الشعب العراقي وتدمير دولته الوطنية ونهب ثرواتها، وقتل أكثر من مليون عراقي وتشريد نحو أربعة ملايين آخرين في المنافي وداخل الوطن، لم يتجرأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما على ذكر كلمة «انتصار» كسلفه جورج بوش، بل تحدث عن «انتهاء المهمة القتالية وبداية عملية الفجر الجديد»، بعد خسارة أكثر من أربعة آلاف قتيل عسكري أمريكي ونحو ستين ألف جريح مع تكاليف اقتصادية فاقت تريليون دولار، حسب الأرقام الرسمية المعلنة.

..وبمعزل عن كل ما ذكره باراك أوباما في خطابه التضليلي حول الإيفاء بوعوده الانتخابية بشأن الانسحاب من العراق وإنهاء الحرب فيه، فإن الفترة الزمنية الفاصلة بين بدء الاحتلال ولحظة إعلان أوباما الانسحاب المزعوم من العراق، أعطت البرهان القاطع على حجم الأوهام التي علقها المحافظون الجدد على «فوائد» احتلال العراق وانهيار دول المنطقة بعد ذلك و«تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير» كأحد المخارج الرئيسية للأزمة الاقتصادية الداخلية، وكأحد أهم أدوات السيطرة على المنافسين الكبار المتوقعين على الساحة الدولية!

..وقد سبق لقائد القوات الأمريكية المنتهية مهمته في العراق الجنرال ريموند أوديرنو أن اعترف منذ أيام في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز بـ«أننا كلنا كنا سذجاً بشأن العراق» وأن ما قامت به بلاده هناك «جعل الأمور بالنسبة لنا أكثر سوءاً»! وهنا يكمن بيت القصيد، ومدى عدم التطابق بين الأهداف الكبرى التي جاء الاحتلال لتحقيقها وبين تعثر المشروع الأمريكي برمته في المنطقة بعد سبع سنوات من الاحتلال، والتي قاربها باراك أوباما في خطابه عندما قال: «إن الانسحاب من العراق يتيح لنا توفير الموارد والإمكانات للانتصار في الحرب داخل أفغانستان»!

..وبالعودة إلى الحملة الإعلامية التي ساقتها كل أجهزة الإعلام الغربية والعربية التابعة عشية وبعد خطاب أوباما حول العراق، لابد من التأكيد على الحقائق التالية:

ـ أن بقاء خمسين ألف عسكري أمريكي في العراق يتوزعون على عشرات القواعد العسكرية لا يمكن اعتباره إلا إعادة انتشار للقوات الأمريكية في ضوء المهمات الجديدة لتلك القوات، كما قررها البنتاغون في إطار المهام العسكرية للقيادة المركزية العسكرية في منطقة الشرق الأوسط ككل، وخصوصاً تجاه دول جوار العراق.

ـ أن قيام قوات الاحتلال ببناء 16 قاعدة عسكرية كبرى في الصحراء العراقية، إضافةً إلى السيطرة على قواعد الجيش العراقي السابقة وتحديثها، لا يعتبر إنهاءً للاحتلال، بل بدايةً جديدةً له على أسس إستراتيجية كبرى قد تستوعب لاحقاً- على حد قول المحللين العسكريين- كل الجنود الأمريكيين المرابطين في أوربا واليابان إذا تطلب الأمر ذلك.

ـ وفي تصريح لافت بصراحته، قال الناطق باسم القوات الأمريكية في العراق الجنرال ستيفن لانزا: «إن مهام القوات الأمريكية التي ستبقى في العراق ستنحصر في: تقديم المشورة والتدريب للجيش العراقي والشرطة العراقية، مكافحة الإرهاب والتمرد، تشكيل مجموعات متخصصة لرعاية إعمار المحافظات وتطوير المؤسسات المدنية»!... من الواضح هنا أن الإدارة الأمريكية ستحاول حكم العراق بالإشراف المباشر على القوى الأمنية والعسكرية التي أنشأتها على مدى سنوات الاحتلال وعلى القوى السياسية التي جاءت على دبابات الاحتلال، والتي تستمد قوتها وبقاءها في السلطة من الوجود الأمريكي في العراق..

ـ لقد أثبتت المقاومة العراقية الحقيقية أنها هي من منع قوات الاحتلال من تحقيق أهدافها الكبرى، ولا شك أن مهام تلك المقاومة وفعاليتها ستزداد في الوضع الجديد، لأن الغالبية الساحقة من الشعب العراقي بدأت تدرك أنه لا خلاص للشعب العراقي إلاّ بكنس الاحتلال الأمريكي وإعادة تشكيل وحدته الوطنية بعيداً عن الصراع القومي والطائفي والمذهبي والعشائري، بل على أسس وحدة أرض الوطن ورفض التدخل الاستعماري في الشؤون الداخلية العراقية.

وإذا كانت إدارة أوباما تحاول الآن تكليف دول الاعتلال العربي بـ«تجميل صورة واشنطن» في المنطقة عبر ما يسمى باستئناف المفاوضات المباشرة وحل الدولتين، والوعود باستئناف «مساعي السلام» على المسارين السوري واللبناني، فإن قوى المقاومة والممانعة تدرك ما تخططه واشنطن وتل أبيب لشن عدوان جديد في المنطقة، يهدف إلى إلغاء مفاعيل انتصار المقاومة في حرب تموز 2006، ويجهز على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني!

إن ما شهدته واشنطن من مسرحية استئناف المفاوضات بين سلطة محمود عباس وحكومة نتنياهو بحضور قادة النظامين المصري والأردني، يجعلنا نتمسك أكثر بخيار المقاومة حتى تحرير الأرض واستعادة الحقوق العربية كاملةً غير منقوصة!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الإثنين, 25 تموز/يوليو 2016 15:21