الاستجداء.. التسول
اقتربت انتخابات مجلس الشعب التي ستجري أواخر هذا العام. انهمك جانب من نخبة التكيف وهي المجموعات المسماة أحزاب وقوى المعارضة في التحضير لهذه الانتخابات في تجاهل كامل لأمور عدة.
تجاهل المخاطر الإقليمية الهائلة الماثلة، أي شن حرب عدوانية صهيو– أمريكية على لبنان وغزة وإيران، وقد تمتد إلى سورية. وهو ما سيسفر عن اشتعال الاقليم كله.
تجاهل ما جرى ويجري من سياسات عمقت تبعية مصر، على طريق ترتيب أوضاع الاقليم لتكريس السيادة والهيمنة الصهيو– أمريكية.
تجاهل التجربة القريبة منذ عام 2005 المتمثلة في بزوغ اسم جمال مبارك كوريث للسلطة وما تبع ذلك من إجراءات تعزيز هذا الأمر، وأهمها التعديلات الدستورية التي كنست بالكامل كل ما تبقى للكادحين من حقوق.
قراءة هذه التطورات وغيرها بعناية تبين أن عام 2005 كان بداية لمرحلة جديدة من التعفن الكامل للنظام وتعميق عدائه للكادحين، وعززت التعديلات الدستورية هذا الأمر لحده الأقصى.
وللأسف الشديد فقد كان مطلب تعديل الدستورعلى رأس مطالب نخبة التكيف المعارضة. وتبين أن ذلك كان في جوهره (أياً كانت النوايا) مجرد إلهاء وتزييف لوعي جماهير الكادحين، وأنتجت هذه التعديلات إضفاء شرعية دستورية على التبعية والنهب وسلب ما تبقى من حقوق الكادحين وتأبيد سلطة الطبقة الحاكمة وتمرير توريث السلطة بشرعية دستورية. وحذرنا من أن ميزان القوى لن يسمح بتعديلات إيجابية. لكن سلوك هذه المعارضة المنتمية لنخبة التكيف قد أسهم في صياغة وإنتاج ميزان القوى المختل لمصلحة الطبقة الحاكمة وسادتها الامبرياليين والصهاينة باعتماد أسلوب الاستجداء والتسول ونبذ اللجوء لجماهير الكادحين لتكون هي الطرف الأصيل في الصراع، لأن ذلك الطريق يتناقض مع مصالح هذه النخبة. ولأنه يفضي إلى إرساء سلطة طبقية أخرى منتمية ومنحازة لمصالح الغالبية الساحقة من القوى الشعبية الكادحة.
في ظل هذا المناخ تمت انتخابات المجالس المحليةـ التي عقدت فيها هذه الأحزاب اتفاقات اذعان مع السلطة للحصول على بعض المقاعد القليلة وفق كشوف قدمتها إلى مباحث أمن الدولة لتنقيحها. وبالتالي فلا تعتبر هذه عملية انتخابات وإنما عملية تعيين بالتزوير.
وجرى السيناريو نفسه فيما سمى بانتخابات مجلس الشورى، وتكرس أسلوب التزوير بالقانون وفي غياب أي رقابة فعالة، وكان دخول ممثلي الأحزاب عبرها هو عملية تعيين مشينة بالتزوير، استكملت بارضاء هذه الأحزاب عبر تعيين قادة بها في إطار نسبة الأعضاء المعينين التي ينص عليها قانون هذا المجلس.
مواقف نخبة التكيف (المعارضة) من انتخابات مجلس الشعب المقبلة:
• أحزاب المعارضة الأربعة التي تسمى رئيسية، وتعمل في إطار تنسيق سياسي، قررت ثلاثة منها هى الوفد– التجمع– الناصري دخول الانتخابات مع المطالبة بضمانات!! أما حزب الجبهة فيجري بداخله صراع بين تيارين متكافئين تقريباً، أحدهما يرى حتى الآن اتخاذ موقف المقاطعة وهو الجانب الذي يقف فيه رئيس الحزب د.أسامة الغزالي حرب، والآخر يرى المشاركة مقابل ضمانات!!
• مجموعة من الأحزاب الصغيرة تؤيد دخول الانتخابات دون أي شروط!!
• الإصلاحيون، بمن فيهم جمعية البرادعي والإصلاحيون اليساريون لم يحددوا بشكل واضح موقفهم. إذ يطرح بعض رموزهم مواقف غامضة ومتأرجحة ومتناقضة توحي بتقسيم الأدوار وعدم الافصاح الجمعي مؤقتاً عن الموقف، الذي سيكون على الأرجح المطالبة بضمانات.
• الإخوان المسلمون أكدوا صراحة على أنهم سيخوضون الانتخابات رغم إدراكهم لاستبعادهم أو إمكانية التمثيل بعدد قليل للغاية. ذلك الموقف هو استمرار لمواقفهم التاريخية، وسعيهم راهناً للوصول إلى مساومة مع النظام، مؤداها إعطاؤهم حق الوجود الشرعي بطريق مباشر أو غير مباشر مقابل تعهدهم بتأييد التوريث لفترتين رئاسيتين أي لمدة (12عاماً). ويجري ذلك على خلفية تصوراتهم عن انجازات حققوها. إذ أعلن أحد كوادرهم على إحدى القنوات الفضائية (وهو عضو في مجلس الشعب الحالي) رداً على سؤال عن غياب برنامجهم السياسي رغم مرور 82 عاماً على تأسيس الجماعة، بأنهم قد أنجزوا نصف البرنامج الذي وضعه مؤسس الجماعة. فقد حققوا وجود الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، وأنهم يسعون لتحقيق النصف المتبقي في المستقبل، أي الدولة الإسلامية، ثم الخلافة الإسلامية.
من جانب آخر فإنهم لا يرون وجود أي مشكلة لهم مع الولايات المتحدة الأمريكية سوى تأييدها للكيان الصهيوني. كما يغيب أي موقف لهم مناقض للسياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام أي المشروع الرأسمالي التابع المتوحش. ويتجاهلون أن اتباع هذه السياسات خصوصاً في ظل العولمة الرأسمالية الأمريكية أساساً لابد أن تفضي بالضرورة لنشوء علاقات ومصالح متشابكة مع العدو الصهيوني.
الخلاصة:
رغم الإدراك المسبق من الجميع بأن الانتخابات المقبلة سوف تكون عملية تزوير لا مثيل لها، أي ستكون عملية تعيين بغطاء لن يمكنه ستر عورتها، فإنها تصر على سلوك نهج الاستجداء والتسول، كل بطريقته، وقبول ما يجود به النظام عليهم مقابل تمرير جمال مبارك رئيساً لمصر، وإضفاء شرعية زائفة على السلطة والانتخابات المزورة من ناحية، كما إضفاء الشرعية على تداعيات ونتائج ذلك، أي تمرير المشروع الصهيو– أمريكي بغطاء وهمي لا يعبر عن ارادة الغالبية الساحقة من قوى الكادحين.
تتحرك هذه القوى بطريقة عارمة، تعقد المؤتمرات واللقاءات والتصريحات الصحفية وهي كلها تهدف إلى ذر الرماد في العيون. فالضمانات التي يطالبون بها لن تحدث، وهذا لا يسبب لهم أي إزعاج. لقد تمت الصفقات وانتهى الأمر وربما– وعلى سبيل تغطية المواقف المشينة لهذه المعارضة– أن يخرج أحد القادة الكبار في الحزب الحاكم و (يقسم بالطلاق) أن الانتخابات سوف تكون حرة ونزيهة.
لابد أن نعترف أن القوى السياسية التي تناضل من أجل تغيير جذري شامل لا تزال مبعثرة وضعيفة. وهو ما يتطلب توحيد الجهد، توحيد الموقف والعمل، التواصل مع بحر جماهير الكادحين بالغ الاتساع، لكشف هذه المسرحية الهزلية المسماة «انتخابات مجلس الشعب» وضرورة مقاطعتها، وطرح البديل لنهج التفريط والاستجداء والتسول، ألا وهو العصيان المدني السلمي كطريق لا بديل عنه لارساء سلطة وطنية منحازة للوطن وللكادحين.
ذلك ما يجنب الوطن أحد خيارين كلاهما مر: الانفجار العفوي، أو الانهيار..!