التحديات أمام سورية..
تحت عنوان «ماذا ينتظر سورية» كتب محمد الجندي المقال التالي:
تصعيد اللهجة الأمريكية ضد سورية يثير التساؤل أكثر مما يوحي بالتوقعات. لقد تكلمت الإدارات «الإسرائيلية» والأمريكية والأوربية الحليفة كثيراً من قبل عن تهريب الأسلحة من سورية إلى حزب الله، وكان ذلك يقابل بالمزيد من تحريض الأطراف اللبنانية ضد حزب الله وضد سورية. أما الآن، فالتصعيد، هو أمريكي وضد سورية، فماذا في جعبة الشريكين، الإدارتين الأمريكية و«الإسرائيلية»؟
ثمة حقيقة أولى، وهي أن السلاح لدى إيران وحزب الله وسورية محكوم عليه أمريكياً وإسرائيلياً بالإعدام، لسبب بسيط هو أن سلاح حزب الله وقف مرة في وجه إسرائيل: لم يعتد عليها، وإنما وقف في وجهها فقط، وهذا في الفقه الأمريكي- «الإسرائيلي» منكر، يجب اجتثاثه.
غير أن التفاصيل تتعلق بالتنفيذ، وقال الناطقون باسم الإدارة الأمريكية مرات، إن الخيارات كلها مفتوحة (تصريحاً أن الخيار العسكري موجود على الطاولة)، لكن متى لم تكن الخيارات مفتوحة أمام الإدارة الأمريكية؟ ألم تكن مفتوحة (وعسكرية حصراً) عند غزو العراق؟ ألم تكن كذلك عند غزو أفغانستان؟ وبمعنى آخر، عندما يكون الخيار العسكري جاهزاً، لا تتأخر الإدارة الأمريكية ولا شريكتها «الإسرائيلية» من تنفيذه، فلماذا لم تنفذ أي منهما الخيار العسكري حتى الآن؟ وهل التهديد بالخيار العسكري الآن هو من جملة الحرب النفسية، كما تعلن أحياناً طهران؟ في اعتقادنا، لا أبداً، فالتهديد العسكري الأمريكي- «الإسرائيلي» جدي إلى أبعد الحدود. إن عدوانية الإدارتين لا حدود لها، ولا تقف عند أي رادع أو ضابط.
التجربتان العراقية والأفغانية تجعل الإدارة الأمريكية تتوقف قليلاً قبل القيام بتجربة جديدة، لا خوفاً من الخسائر البشرية، فالإدارتان إياهما مستعدتان لهدر دم نصف الشعب الأمريكي، أو المستوطنين الإسرائيليين في سبيل الوصول إلى هدفهما المشترك، وهو إعادة غزو الشرق الأوسط، ولا خوفاً من الآثار الاجتماعية، فهما تعتقدان أن الحرب هي مهرب للإدارتين من مواجهة الأزمات الاجتماعية (البطالة، هبوط المستويات المعيشية، العصابات، الخ)، ولا خوفاً من مقاومة الشعوب، فلدى الإدارتين علاج تتوهمانه لمقاومة الشعوب هو الإبادة. الأزمة المالية تعكر مزاج الإدارة الأمريكية، ولكن هو تعكير مزاج لا أكثر، فالحلفاء الأشاوس، ساعدوا، ويساعدون الإدارة الأمريكية على حل كل مشكلاتها، ومن الجملة الأزمة المالية. أما الأزمة القادمة المتوقعة إذا ما ارتكب العدوان، فيمكن الهرب بها إلى الأمام، ويمكن الاعتماد على الحلفاء مستقبلاً.
ربما ثمة أمران يدفعان الإدارتين إلى التوقف قبل العدوان، الأول هو أن العدوان هذه المرة لابد أن يكون نووياً، وهذا يؤلف استفزازاً، إن لم يكن عدواناً دولياً. هل تقبل روسيا والصين بذلك؟
لا يستطيع المرء أن يجيب، ولكن يمكن التخمين أن المحادثات النووية مع روسيا، ومحاولات إقناع الصين بالموافقة على العقوبات ضد إيران، تقع في خلفيتها محاولة الإدارة الأمريكية الحصول من الطرفين على موافقة، أو على صمت تجاه الخيار النووي، علماً بأن هذا يدمر مصالح حيوية إستراتيجية ومادية لجميع البلدان، ومنها روسيا والصين.
والثاني هو أن السلاح المطلوب تدميره، على الأقل ما عرف منه لدى إيران ولدى حزب الله، يمكن أن يعض، وتعمل الإدارتان لتجنب أكبر ما يمكن من الخسائر. والسبيل إلى ذلك هو عبر طريقين، زيادة التقنية، وتخريب معسكر العدو. فمن جملة زيادة التقنية بني في «إسرائيل» ما سمي بالعتبة الفولاذية، وتستمر الإدارتان في زيادة فاعلية الصواريخ المضادة للصواريخ. أيضاً يقال إن «إسرائيل» تعمل على تحسين أداء الدبابات، وربما تحسين أداء الأسلحة أخرى. أما التخريب، فهو كثير، ولا ينقطع، استمر في لبنان قبل حرب تموز 2006 وبعدها، وفي إيران قبل الانتخابات بكثير وما يزال، ووسائله لا تحصى، تحريض المعارضة، وتعزيزها، وتمويلها، وهذا تمتلئ أوربا والولايات المتحدة به، عدا الناشطين الداخليين المرتبطين عن قصد أو عن غير قصد بمراكز التخريب الخارجية، وهناك أيضاً التخريب الاقتصادي بالحصار، وبالتأثيرات الإقليمية والدولية، ومن الجملة تأثيرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكذلك تؤلف الطائفية أداة تخريبية هامة، كما يؤلف الإفقار الدولي عبر فعل الرأسمالية الدولية أداة مماثلة.
كتبت الصحف الإسرائيلية، أنه في حال حدوث حرب سوف تتعرض المدن «الإسرائيلية» لوابل من الصواريخ، وستحدث خسائر باهظة مادية وبشرية، ولكن حسب زعم تلك الصحف سوف تنتصر «إسرائيل» أخيراً، وترد سورية إلى ما قبل العصر الحجري(؟). أما انتصار «إسرائيل»، فليس بديهياً، ويتوقف على أمور كثيرة، ومنها استعداد العالم لقبول استخدام السلاح النووي في منطقة إستراتيجية حساسة بالنسبة لأغلب بلدان النادي النووي.
وبصرف النظر علن الانتصار أو عدمه، يتساءل المرء، لماذا يتحمل «الإسرائيليون» وابل الصواريخ؟! ولماذا يتحمل الأمريكيون مختلف مضاعفات العدوانية التي تمارسها إدارتهم؟ لماذا يباد الشعب الفلسطيني والشعب العراقي والشعب الأفغاني؟ وما الفائدة من إعادة سورية أو لبنان أو إيران إلى العصر الحجري؟ إذا كانت لدى الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية القدرة على ذلك أساساً.
بمقدار ما يدمر الإنسان كوكبنا، تحاصر الرأسمالية الدولية بيئياً عبر التسمم المتعدد (تسمم الجو والتربة والغلاف النباتي والحيواني)، والأوبئة، وأما اجتماعياً فتتزايد الأعباء التي تفرضها العدوانية على الشعب، واقتصادياً تتقلص الأسواق، وبأزمة الطاقة التي تنتج عن العدوانية، ودولياً بانعكاس كل المضاعفات السلبية على الرأي العام العالمي، وعلى اقتصادياته ومعيشته.
مع ذلك لن تتراجع الرأسمالية الدولية غالباً، وخصوصاً العسكرية التي خلقتها، عن العدوانية، ولن يتحقق بيت الشاعر أحمد شوقي منذ قرن تقريباً «ما ضر لو جعلوا العلاقة في غد، بين الشعوب مودة وإخاء».
العسكرية العدوانية لن تحل المشكلة الرأسمالية الدولية، مثلما لم تحل من قبل مشكلة الاستعمار القديم، فهي في حرب دائمة، وستبقى الرأسمالية الدولية في حرب دائمة.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط يجب الحذر، فمن جملة خيارات الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية ليس الخيار العسكري بمعناه العام، وإنما خيار العدوان العسكري الغادر، فعندما تقول «إسرائيل» إنها لا تنوي الحرب، من الضروري أن نفهم أنها تنوي الحرب، إنما تشنها في الوقت الأشد ملائمة لها.
الحذر لدى الأطراف الثلاثة، إيران وسورية وحزب الله هو لب الإستراتيجية الضرورية لمواجهة أي عدوان قادم.