مؤتمر واشنطن النووي والإرهاب
ربما أتى مؤتمر واشنطن النووي في النصف الأول من نيسان 2010 متأخراً جداً بالنسبة لهدفه المعلن، وهو الحيلولة دون انتشار السلاح النووي. لقد أصبح النادي النووي مزدحماً بأعضائه. أما بالنسبة للهدف غير المعلن، فالأمر يختلف. هناك تأليب الدول ضد إيران، وقد نجح «السيد» أوباما كثيراً، أو قليلاً، في ذلك، ولكن هل نجح في تشكيل تحالف لضرب إيران؟ هناك حلفاء في الجيب، فالإدارات العربية تأمرهم الإدارة الأمريكية، وأهميتهم تأتي من كونهم جزءاً من إستراتيجية الضربة إذا ما حصلت. وهناك أغلب إدارات دول الاتحاد الأوربي، الملتفة بحميمية حول الإدارة الأمريكية، وتنصرها ظالمة أو مظلومة. طبعاً هناك إدارات بلدان أخرى عديدة في الجيب، وأهميتها هي في أن تؤلف جوقة ترتيل، إذا كانت بعيدة عن الشأن الاستراتيجي.
وباعتبار الضربة، إن حصلت، قد تكون لها أبعاد دولية واسعة، فلا يدري المرء موقف الإدارتين الروسية والصينية منها. إذا حصلت منهما الإدارة الأمريكية على الموافقة، فهناك خطورة كبرى تنتظر المنطقة والعالم. لا شأن للعقوبات في الموضوع، فبالون العقوبات هو نوع من جس النبض، والدعوة إلى الموافقة أخيراً على الضربة.
ربما يظن الإستراتيجيون الأمريكيون أن بإمكانهم صنع هيروشيما جديدة في دقائق وينتهي الأمر: استسلمت اليابان من قبل، واليوم يستسلم الجميع. قد يتم الاستسلام، ولكن ماذا عن المضاعفات الإيكولوجية والدولية؟ هل يستطيع الإستراتيجيون إياهم حسابها؟
بصرف النظر عن الملف النووي الإيراني المتروك ليد الإدارة الأمريكية «الأمينة»، فقد حذر «السيد» أوباما من وقوع السلاح النووي بيد الإرهاب، وربما اعتبر اليد الإيرانية إرهاباً.
صحيح، فالسلاح النووي في يد الإرهاب هو خطير جداً، ويمكن أن يوسع إلى حد كبير دائرة المجازر البشرية. ولكن أليس السلاح النووي في يد الإدارة الأمريكية خطيراً جداً. لقد رفعت كارثة هيروشيما وناغازاكي في 1945 نصباً كبيراً للخطورة المتمثلة بحيازة العسكرية الأمريكية للترسانات الرهيبة. ربما الإرهابيون يترددون بشكل أو بآخر في استخدام السلاح النووي، إذا ما حصلوا عليه، أما الإدارة الأمريكية، فلا تتردد، ولم تتردد.
أيضاً، هل الوسيلة الوحيدة لإنهاء الإرهاب هو قتل الإرهابيين؟ لننسى أن الإدارة الأمريكية هي التي خلقت الإرهاب التكفيري، وهي التي استخدمته، وتستخدمه في كل مكان في العالم عبر تمويله وتحريكه بشكل مباشر أو غير مباشر. غير أن «الإرهاب» غير المرضي عنه لدى الإدارة الأمريكية، ينطوي على رد فعل ضد تلك الإدارة، أو ضد حلفائها. ولإنهاء ذلك الإرهاب، يكفي إنهاء الفعل، لينتهي رد الفعل.
ثقافة القتل والقمع والإفقار المنتشرة في كل العالم هي التي تخلق مختلف ردود الفعل، الإجرامية، أو «الإرهابية»، أو السياسيةـ النضالية. وردود الفعل هذه باقية مادام الفعل باقياً، وسيبقى الأمر في تفاقم إلى أن ينتهي الفعل، أي ينتهي القتل والقمع والإفقار، أو ينتهي الإنسان، لأن انتصار القتل هو نهاية للإنسان.
يمكن نظرياً ولمصلحة الاقتصاد نفسه، أن تتخلى الإدارة الأمريكية وشركاؤها الاستعماريون عن العدوانية، وأن تساعد بدلاً من ذلك على التطوير، للمناطق، التي لا تزال لم تخرج إلى التاريخ ويعيش سكانها على الصيد، وللمناطق، التي ما يزال الناس فيها يسيرون كيلومترات من أجل جرة ماء، وللمناطق، التي لايجد فيها البشر مأوى سوى المغائر أو الخيام، أو المقابر، وللمناطق التي لا تعرف من وسائل النقل سوى الكتف أو الدواب، لو تفعل الرأسمالية الدولية مثل ذلك، فإنها تزيد ثروات العالم بشكل لا يستطيع المرء تصوره، وتخرج الإنسان من القمقم، وتقضي في الوقت نفسه على الإرهاب.
ألم يخرج سكان الجزيرة العربية عبر استثمار البترول من القمقم الصحراوي؟
لكن مع الأسف، التحول من العدوانية إلى التطوير لدى المركز الاستعماري الدولي هو غير ممكن، لأن الاستثمار بالثروة هو بطبيعته تحرك عدواني، سواء ضد الأفراد، أو ضد الشعوب، أو ضد البلدان. والرأسمالية الدولية ترى أنها هي صاحبة الحق بثروات العالم، أي بالثروات، وباستعباد من يملك تلك الثروات، وبالاستيلاء على مكامنها. ولكي يتخلى الاستعمار عن العدوانية يجب أن يتخلى عن حق التملك، وينتقل إلى حق الشراكة، الأمر غير الممكن.
لذلك تبقى ثقافة القتل والقمع والإفقار هي السائدة، لأن الإخضاع يتطلب كل ذلك، يتطلب القتل والقمع لمن ينشز، والإفقار لمن يستسلم. طبعاً الحديث هنا هو عن الشعوب، لا عن الأفراد، فالأفراد المستسلمون ينالون أجراً، مادامت خدماتهم مفيدة، ويُصفَّون عندما تنتهي فائدتهم، على غرار شاه إيران وماركوس الفلبين، وبوكاسا وغيرهم.
الشعوب التي تستسلم، تزداد آلامها، ويزداد الضغط عليها أكثر فأكثر، يتفاقم الفقر، تنتشر في بلدانها الجريمة والعصابات، وقد تندلع المجازر، وتتراجع تاريخياً إلى الوراء، الخ.
الأمثلة الثالثية والأوربية هي أكثر من واضحة، بل ينطبق الأمر نفسه على شعب الولايات المتحدة، الذي تنخر مجتمعه البطالة والتمييز العنصري والجريمة، والهبوط المستمر للمستويات المعيشية.
الإنسان بحاجة إلى الدفاع عن نفسه ضد العدوانية الاستعمارية قبل كل شيء، وحينئذ يستطيع أن يقي نفسه من جميع الأخطار.
مؤتمر واشنطن النووي لن يستطيع أن يمنع لا الاستمرار في انتشار السلاح، ولا وصول السلاح إلى «الإرهاب». أما السلاح الإيراني فسيبقى دفاعياً، ولن يهدد الأمن الأمريكي، إلا إذا اعتبرت الإدارة الأمريكية أن أمنها هو فقط في احتلال الشرق الأوسط وتمزيقه.