التطهير والتهجير سياسة صهيونية ثابتة
لم يكن القرار الصهيوني الذي يحمل الرقم 1650 نبتاً شيطانياً جاء خارج المألوف في الممارسات العنصرية لعصابات القتل والإجرام الصهيونية، ولامتداداتها الجديدة الآخذة شكل «حكومات». فقد تأسس هذا الكيان على إيديولوجيا عنصرية، تقوم على طرد وقتل السكان الأصليين، لإحلال جماعات بشرية جديدة، قادمة من دول متعددة، وخارجة من منظومة ثقافات متباينة/ متناقضة، جمعتها تحت مظلة واحدة، أفكار الحركة الصهيونية، التي وظفت دورها داخل مشروع «ديني» قائم على الأساطير المزيفة، ليؤسس لتلك الجماعات الغازية «الدولة الموعودة» على أشلاء وجماجم أصحاب الأرض. وهذا ماعبّر عنه القادة المؤسسون لتلك «الدولة». يكتب «دافيد بن غوريون» في مقدمة كتاب تاريخ الهاغاناة عام 1954 قائلاً: «في بلادنا، هناك فقط مكان لليهود وسوف نقول للعرب أخرجوا، فإذا لم يخرجوا وإذا قاوموا فسوف نخرجهم بالقوة». أما وزير الحرب الصهيوني الأسبق «موشيه دايان» فيؤكد في عام 1973: «لا أرى كيف يمكن أن نقيم دولة يهودية دون أن ندوس على المحاصيل: سيادة محل سيادة، ويهود يقيمون في مكان أقام فيه العرب».
وقد جاء الكتاب الهام «التطهير العرقي في فلسطين» للباحث والأكاديمي «إيلان بابيه»، ليفضح الممارسات الوحشية الصهيونية. وتأتي أهمية المعلومات، التي تضمنها هذا المرجع الاستثنائي، لكون مؤلفه عاش الواقع بكل تفاصيله، ونبش في تاريخ الأفكار العنصرية التي صاغها قادة تلك المجموعات الغازية. يقول «بابيه» (إن فكرة التطهير العرقي ولدت مع نشوء الصهيونية التي خططت لتطبيق برنامجها في غضون ستة شهور لكنها تمكنت من ذلك في كثير من الأحيان بأقل من ذلك بكثير) مؤكداً بالأرقام والدلائل على أن هذه السياسة المنهجية قد دمرت 530 قرية وأفرغت11 مدينة من سكانها.
إن القرار المعروف باسم 1650 ليس بالجديد، لأنه صدر عام 1968 وتم تعديله وتطويره بشكل مستمر، ليأخذ ترجماته العملية الآن، بحيث صار يشمل كل من دخل الضفة الغربية بصورة ترى إسرائيل أنها غير شرعية، «بدخوله بتصريح زيارة لفترة محددة ومخالفة ذلك، أو زواج من غزة أو من الخارج». وهذا مايؤكده مدير مركز الخرائط للدراسات العربية بالقدس «خليل التفكجي» بقوله (إن جعل القرار عسكرياً يعطي الحق للحاكم العسكري اعتبار أي منطقة بالضفة تحتاج تصريحاً لدخولها والإقامة بها، مشيرا إلى أن «إسرائيل» ما زالت تتعامل مع الضفة كمنطقة عسكرية بتقسيماتها المختلفة «أ» و«ب» و«ج» حسب اتفاق أوسلو)، مشدداً على (أن القرار العسكري يسمح للاحتلال باقتحام مناطق مدن الضفة في أي وقت واعتقال المخالفين وطردهم أو محاكمتهم، حتى وإن كان المواطن يحمل بطاقة هوية ويقيم بالمنطقة دون تصريح أو إذن إقامة من الاحتلال، حيث يغرم ويحاكم من هو مخالف من الضفة بينما يتم ترحيل الوافدين من الخارج أو من غزة). كما أن خطورة هذا القرار العسكري تتوضح من خلال التعريف الجديد لموضوع «التسلل»، حيث إن الأوامر السابقة تعرّف التسلل بدخول أي شخص من خارج الأراضي المحتلة لها، وتحديدا من الدول (المعادية لـ«لإسرائيل» كالأردن وسورية ولبنان). أما الأمر الجديد فيعتبر متسللاً أي شخص حتى لو بحوزته هوية- وُجد بمنطقة داخل الأراضي المحتلة وهذه المنطقة تطلب تصريحاً لا يملكه. ويكمن تلمس الخطر المحدق بعشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين بمن يشملهم تعريف «التسلل»، حيث صار يتهدد كثيراً من الفلسطينيين- من حيث اعتبار المناطق التي يسكنونها عسكرية- في أية لحظة يرى فيها القائد العسكري المحتل، خطراً يهدد «أمن الكيان» وأن المقيم بها دون تصريح ساري المفعول يعتبر متسللاً.
جاء القرار الصهيوني الجديد، ليضيف لسلسلة الإجراءات الاحتلالية العنصرية، حلقة جديدة في خطة التطهير العرقي، ستكون في حالة نجاحها، المقدمة لتنفيذ السياسة القديمة/ الجديدة الهادفة إبعاد وطرد المواطنين العرب من الأراضي المحتلة منذ عام 1948، لقيام الدولة اليهودية «النقية»! ولهذا فإن التصدي للقرار الجديد لن يكون بسياسة «الاتصال الهاتفي مع الإدارة الأمريكية لمناشدتها الضغط على الحكومة «الإسرائيلية» لوقف تنفيذ القرار» كما جاء على لسان أحد قادة سلطة رام الله المحتلة، ولا بالطلب- فقط- من منظمات إقليمية ودولية التدخل لإقناع حكومة العدو بإلغاء الأمر الصادر. إن مايؤكده أكثر من مسؤول في تلك السلطة بأن أحد بنود اتفاق أوسلو، ينص على أن الضفة الغربية وقطاع غزة، منطقة جغرافية واحدة، بحيث يتحرك السكان عليها بحرية، وهذا يتناقض- كما يشددون في تصريحاتهم الصحفية- مع الاتفاق العتيد!
لقد أغفلت قيادة المقاطعة في رام الله المحتلة، وتابعتها حكومة تصريف الأعمال الفياضية، بأن الرد على هذه الإجراءات يتطلب أولاً وقف التنسيق الأمني والتحلل من الاتفاق الكارثي، الذي نعتقد أن هكذا سلطة وحكومة عاجزة عن تحقيقه. ولهذا فإن المواجهات الجماهيرية الواسعة لمجابهة هذا القرار أصبحت أحد أهم أشكال الرد عليه، لأن تصاعد هذا التحرك الشعبي وتأطيره وتصعيده، سيكون الموقف الوطني الذي سيجدد حيوية المشروع التحرري الفلسطيني في مقاومته للاحتلال، ولسياسة التطهير والتهجير،وللتنسيق الأمني معه.