«حرية» غزة و«حرية» العقوبات ضمن صراع المنطقة..

إطلاق أسطول الحرية، والاعتداء العسكري الصهيوني عليه هو، في نهاية المطاف، جزء من الصراع في المنطقة، وعليها، بين إرادات الشعوب ومطامع قوى الهيمنة والاستعمار، وإن أية نظرة تجتزئ مسألة الأسطول خارج سياقها، ستحولها إلى مجرد «زوبعة في فنجان»، خدمةً لمصالح المعتدين وأنصارهم، وخلافاً للغايات المبتغاة من مخططي وداعمي تحرير غزة، كجزء وخطوة نوعية باتجاه حل القضية الفلسطينية، على أساس فرض إملاءات الشعوب، هذه المرة، على الكيان الغاصب، وليس العكس كما هي العادة حتى اليوم.

ولأن الحال كذلك، وإذا كان إطلاق أسطول الحرية، كتتويج نوعي لسابقيه خلال السنتين الماضيتين، هو تحوّل من الدفاع إلى الهجوم، فإن فعلة «إسرائيل» في محاولة كسر ووأد هذا السعي التحولي من المقاومة إلى التحرير، عبر استعراضها العضلات العسكرية دموياًً، كان يستدعي، ولايزال، الرد عليه بطريقة واحدة: إطلاق عشرات الدول للمئات من «أساطيل الحرية» في اليوم التالي، أو أقله واقعياً ضمن أقصر فترة ممكنة، وبآن معاً، وليس جعل الأمر «كبالون اختبار» للنوايا الإسرائيلية- كونها معروفة- وليس كذلك إتاحة الفرصة أمام «إسرائيل»، مدعومة من الولايات المتحدة والحكومات الغربية، للتهرب وتثبيت إجرامها كأمر واقع مجدداً ولكن بأبعاد دولية، وتحويل الأنظار، فوق ذلك، إلى إيران من جديد على خلفية «الملف النووي» عبر فرض عقوبات جديدة عليها من مجلس الأمن ذاته الذي رفض إدانة «إسرائيل» قبل أيام فقط، ولكنه أوغل في استعداء طهران أكثر فأكثر لتعلن، دفاعاً عن حقوقها، تمسكها بتخصيب اليورانيوم رغم العقوبات.

ولا يغيب عن البال هنا، أن إيران نفسها، وضمن استقرائها للأوضاع واحتمالات مآلها وترابط مكونات الصراع في المنطقة، باعتبار الاعتداء الإسرائيلي على الأسطول هو رسالة عسكرية ترهيبية لدول المنطقة وشعوب العالم، سبق لها أن أطلقت أيضاً تهديداً، يحمل طابعاً انعطافياً في حال تنفيذه، يتمثل في الإعلان عن عزمها إطلاق سفينتي مساعدات للقطاع المحاصر من الهلال الأحمر الإيراني، على أن ترافقهما، شريطة موافقة المرشد الأعلى، قوات الحرس الثوري الإيراني..!  

هذا الإعلان، حتى وإن كان إعلامياً، يمثل ضغطاً نفسياً ومعنوياً هائلاً على الكيان الإسرائيلي وحلفائه في المنطقة والعالم، وطهران بالطبع تدرك مسبقاً ما النتائج المترتبة عليه، إن حصل، رغم الاعتبارات المبدئية والنظرية التي تحفظ للإيرانيين حقهم في المبادرة ومد يد العون للفلسطينيين المحاصرين في غزة، شأنهم في ذلك شأن كل نشطاء الشعوب الحرة الذين انضموا لـ«أسطول الحرية1». ولكن هذا الإعلان الصادر عن إيران، يعني بالنسبة للصهاينة شيئاً واحداً مفاده أن هناك مرة أخرى من اختار، غير «تل أبيب» وواشنطن،  تحديد زمان المواجهة في المنطقة ومكانها، وهو ما أرعب هاتين الأخيرتين ودفعهما لتسريع فرض حزمة جديدة من العقوبات التصعيدية الاستفزازية على طهران، لتتزامن مع ما يتردد في الإعلام الغربي عن «رفع الغطاء أمريكياً لإطلاق يد إسرائيل لتأخذ هي زمام المبادرة للرد عسكرياً على التحديات الإقليمية، وليس أقلها البرنامج النووي الإيراني»..!

المسألة بعد مذبحة «الحرية» وتفاعلاتها الدولية تكمن، إذاً، ومرة أخرى في «التثمير السياسي» من جانب كل طرف لما جرى ضمن منظور الصراع. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة يتعلق بمدى واتجاهات ومضامين وأبعاد التنسيق القائم بين القوى الفاعلة، والمتأذية من سلوك وسياسات المشروع الأمريكي- الإسرائيلي المترنح في المنطقة، ولاسيما سورية وإيران وتركيا وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، وإلى أي حد يمكن أن يذهبوا سوية في مواجهته، بمعنى تأطير وإدارة الإرادات الشعبية الدولية المناهضة للكيان والراغبة أقله في لجم جرائمه..!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.