(في ظل التطورات الأخيرة في فلسطين والمنطقة) وقفوا على رؤوسهم..!
لا مفاجأة في قمة «سرت» الليبية، فما اتفقوا عليه أخرجوه وكأنه جديد، وكأنه تجاوز للوضع العربي الرسمي الذي بات واضحاً أنه في معظمه تحول كلياً عن المصالح العربية، وأنهى أية التزامات بالقضية الفلسطينية.
أعلنوا أنهم يواصلون مسيرة «السلام»، وتناسوا عشرات السنين التي مرت على مؤتمر مدريد، وتجاوزوا كل الستائر التي أسدلت على فصول الفشل، وارتهن سلامهم الآن إلى جرجرة إدارة أوباما للقضايا العربية، كما ارتهن إلى صهيونية نتنياهو التي في جعبتها أتمام مشروع هرتزل، وإلا ماذا تعني الأنشطة الصهيونية في الضفة الغربية ناهيك عن تهويد القدس والاستيلاء على أماكن العبادة والسعي الحثيث لإنهاء وجود الأقصى.
إن مؤتمر «سرت» يطرح بوضوح أن معظم النظم العربية وخاصة مصر والسعودية ذاهبة إلى «سلام» نتنياهو حيث العودة إلى الفكر الصهيوني وموضوعته «أرض بلا شعب»، وإذا كانت البدايات واضحة في القدس الشرقية فإن ما بعد القدس كل الضفة الغربية.
اتفقوا على مواصلة الانصياع لرغبات وتوجهات إدارة أوباما ولا غرابة في ذلك بعد أن اقتنعوا أن بقاء سلطاتهم مرتبط بالمشروع الأميركي الشرق أوسطي.
إن البديهية المعروفة في الفكر السياسي تقضي بحشد كل القوى المعادية للمشروع الصهيوني، لكن من غُلت يداه لا يستطيع أن يسطر حرفاً في دروب مواجهة الصهيونية، ولا غرابة بعد ذلك إذا أقروا السير مع استمرار جرجرة أوباما وصهيونية نتنياهو، لا غرابة إذا ثابروا على أية مفاوضات مع حكومة نتنياهو، ورفضوه عندما يأتي الأمر إلى الحوار مع إيران.
إن أي إنسان ذي بصيرة، وتهمه قضايا الشعب الفلسطيني والقدس والمسجد الأقصى، يمكن له وببساطة أن يمسك بحلقة التقاطع الهامة مع الحكومة الإيرانية ألا وهي مواجهة المشروع الصهيوني، وبدلاً من المضي مع الحقوق العربية اختاروا تعميق العداء لإيران ورفض الحوار مع الحكومة الإيرانية واعتبروا أن ديمومة سلطاتهم تتطلب التحالف مع إسرائيل، ذلكم هو جوهر ما يشكل السياسات العربية الرسمية في كثير من البلدان العربية.
أما الحقيقة الأخرى التي توحد الكثيرين من المسؤولين العرب فإنها تكمن في عداء ومواجهة كل شكل من أشكال المقاومة، بما فيها المقاومة السياسية والإعلامية، وبات معروفاً أن دولاً عربية بعينها ترى في المقاومة خطراً كبيراً عليها، وليس ذلك تجنياً لكن مدلولات ذلك نجدها واضحة في الجدار الفولاذي الذي اعتمدته حكومة مبارك وأخرجته تحت عنوان «الأمن القومي» و«السيادة الوطنية»، كما نجده في واقعة خطيرة وهي المناورات السعودية الأميركية المشتركة والتي تشكل اتجاهاً من اتجاهات إعداد المنطقة الخليجية للحرب على إيران.
إن طرح موضوعة التدخل الإيراني في الشؤون العربية من بعض الدول العربية تدخل في نهاية المطاف في خانة عداء المقاومة، فلاهم قدموا دعماً للمقاومة في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا هم وقفوا على الحياد إزاء قضية دعمها من دول أخرى، وذهبت بهم ارتباطاتهم بالإستراتيجية الأميركية إلى عداء كل من يدعم ويؤيد ويساند المقاومة.
كل ذلك بات معروفاً للقاصي والداني، لكن انحطاط القمم العربية وفشلها يطرح تساؤلاً معروفاً ألا وهو ما هي التغيرات البنيوية الطبقية في مكونات السلطات السياسية التي أتت على كل تضامن عربي مهما كان محدوداً وشكلياً، وأية شرائح طبقية تطلبت مصالحها التحالف مع إسرائيل ووأد القضايا العربية وتيسير أمور الإستراتيجية الصهيونية، تحت لغط كلامي عن الخطر الإيراني الداهم وخطر دعمه للمقاومة في لبنان وفلسطين.
إن فهم تلك التغيرات الطبقية هو ضرورة لرؤية حقيقة النظام العربي الرسمي ودوره الراهن ومهامه وأبعاده. ويلاحظ أن الوضع في مصر يقدم الإجابة الواضحة على ذلك، فقد أصبحت شريحة المستثمرين، وهي من قوى الرأسمال المالي، أصبحت، ذات نفوذ، وشدد من نفوذها شريحة برجوازية طفيلية لكنها ذات خصائص جديدة، إنها شريحة تتحكم بمفاصل النظام السياسية الاقتصادية، رغم أنها ليست من جسمه أو مكوناته أو قواه المباشرة، إنها شريحة تمتلك القرار وتفرضه على حلقات النظام السياسي الاجتماعي الأساسية. وقد استطاعت تلك الشريحة إفساد مفاصل النظام وقواه الأساسية وربطت البرجوازية البيروقراطية بها وساعدها على ذلك التخلص من قطاع الدولة وإضعاف بقاياه. ونستطيع أن نرى مثل هذه الشريحة في مجموعة الأمراء الزائدين عن حاجة النظام المباشرة فتحولوا إلى قوة سياسية مؤثرة وفاعلة بالتعاون مع المفاصل الأساسية للنظام وكثيراً ما تكون تلك المفاصل في قبضة هذا الأمير أو ذاك.
إن العداء للمقاومة ينبض بالخوف والهلع المتزايد من دور الشعوب وأدواتها التي تبتكرها عند الضرورة وتلجأ إليها للدفاع عن حقوقها ومصالحها. ثمة استنتاج واضح لا بد منه وهو أن الذعر من المقاومة تعبير عن العداء لمصالح الشعوب العربية وحقها في الدفاع عن أوطانها وكراماتها وعيشها وحقوقها السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية.
إن البعد الحقيقي لما آل إليه النظام العربي الرسمي، هو أن تلك النظم تعي عمق القطيعة بين مصالح مكوناتها الاجتماعية من جهة، وبين المصالح الوطنية والقومية والإنسانية للشعوب العربية التي هي جزء من شعوب الشرق العظيم وذلكم هو ما يجعلهم يقفون على رؤوسهم، وليست إيران والمقاومة إلا حجة واهية.