إذا استدرتم «بالتفجيرات جئناكم»..!
سلسلة من العمليات الإرهابية ضربت السعودية يوم الإثنين 4/7/2016، عشية عيد الفطر في ثلاث مناطق متفرقة من المملكة، ذلك ضمن سلسلة أطول من التفجيرات استهدفت عدداً من الدول حول العالم خلال أقل من أسبوع.
تحمل هذه الهجمات المتزامنة حول المنطقة في ثنايها عوامل متعلقة بالوضع الإقليمي والدولي العام، الذي يتسم بشكل أساسي بتغير موازين القوى الدولية، والمواجهة بين قوى رأس المال المالي العالمي الإجرامي، والقوى الدولية الصاعدة المتناقضة معه من حيث المصلحة، وترتبط هذه الهجمات لا شك بعوامل داخلية تتعلق بظروف كل دولة مستهدفة على حدة.
من جهة أخرى، فإن أحد النقاشات القديمة المتجددة لا يزال يفاضل بين ماهية هذه التفجيرات: هل هي مجرد أنشطة مرتبطة بحالة إرهاب إجرامي منفلت تقوم به جماعات متطرفة، أم أنها جبهة من جبهات الصراع الدولي المشتعل؟ وإذا صح الأخير فمن هي أطرافه ودوافعه؟
«تأديب» الحلفاء!
يمكن البدء باستعارة معلومات مهمة ظهرت بعد تفجير مطار أتاتورك في اسطنبول، والتي كشفت عن هوية «المنظم» لهذه العملية: أحمد تشاتايف، وهو عميل أجهزة الخدمات الخاصة الجورجية في عهد الرئيس ساكاشفيلي، وقد صّرح بذلك رئيس اللجنة البرلمانية للدفاع والأمن القومي في جورجيا. وتشير تقارير أخرى إلى أن المنظّم مطلوب لدى أجهزة الأمن الروسية، ويدعمه رئيس جهاز أمن الدولة الأوكراني السابق ناليفايتشينكو، المشرف على إنشاء «القطاع الأيمن» الفاشي في أوكرانيا.
ويمكن استحضار أمثلة أخرى من هذا القبيل حول إشراف أجهزة مخابرات غربية ودولية على عمليات إرهابية حصلت في السنوات الأخيرة، والقصد من هذا هو نسف الافتراض الأول القائل باقتصار ظاهرة التفجيرات الإرهابية على صفة «الإجرام المنفلت».
وبالتالي، فإن الافتراض الثاني القائل بخلفيات سياسية محددة جداً لهكذا أعمال هو الافتراض الأكثر واقعية، وأن أطرافاُ دولية وإقليمية باستخدامها لهذا النوع الرديء من الرسائل ذات المضامين السياسية، تبتغي على الأقل أمرين:
الأول: أن دول الإقليم الحليفة للولايات المتحدة- كالسعودية وتركيا- تصبح أكثر فأكثر أمام استحقاقات داخلية وإقليمية كبرى، تكبر فرص حل هذه الاستحقاقات فقط بالتماهي مع الشكل الجديد من العلاقات الدولية خارج الفضاء المتشكل في العقدين الأخيرين بريادة الولايات المتحدة، وبالتالي، فإن قوى الفاشية الجديدة الممانعة لهذه التغيرات، والموجودة في الغرب والولايات المتحدة والإقليم تبعث برسائل تهديد تهدف إلى إعاقة أو تأخير أية استدارة تركية وسعودية محتملة في خياراتهما الإقليمية والدولية.
الثاني: يكمن في الصراع داخل الولايات المتحدة نفسها، بين قوى الفاشية الجديدة، والجناح «العقلاني» اصطلاحاً، الباحث عن أفضل تموضع للولايات المتحدة في منظومة العلاقات الدولية، بما يتلائم مع وزنها الحقيقي كواحدة من الدول المؤثرة في السياسات الدولية، وليست المقرر الوحيد لها.
وبالعودة إلى الحالة الملموسة في السعودية، فإن الكم الهائل من المشاكل الذي راكمته المملكة نتيجة اندفاعها إلى صلب الساحات المشتعلة في الإقليم، يقتضي بالضرورة من السلطة السياسية في المملكة البحث عن شكل جديد من النشاط الداخلي والإقليمي، الذي من الواضح أنه يتركز أكثر فأكثر بعيداً عن تقاليد البوح والهمس الأمريكي، وبالتالي، فإن هجمات كهذه تشكل ضربة استباقية لالتفاف سعودي «محتمل»، سبقه بوضوح بداية التفاف تركي إجباري نحو إعادة العلاقات مع روسيا، وهو ما استدعى تلقي تركيا لعصى التأديب الفاشية في اسطنبول.
من القطيف إلى المدينة المنورة
رغم أن هذه التفجيرات ليست بالجديدة تماماً، بعد أن عانت المناطق الشرقية في السعودية من عمليات بين الحين والآخر هذا العام، لكن الجديد هو اتساع رقعتها لتشمل جدة والمدينة المنورة. وقد جاءت التفجيرات في فترات متقاربة من يوم الاثنين 4/تموز، إذ بدأ اليوم الدامي بتفجير انتحاري أمام القنصلية الأمريكية في جدة.
وفي هذا السياق، قال المتحدث الأمني السعودي، منصور التركي، في بيان يوم الاثنين إن «أحد الأشخاص أثناء توجهه إلى المسجد النبوي الشريف، قام بتفجير نفسه بحزام ناسف»، مما أسفر عن قتله و4 من رجال الأمن، فضلاً عن إصابة 5 آخرين، مضيفاً: «كما وقع عند مغرب اليوم نفسه، وبالقرب من أحد المساجد المجاورة لسوق مياس في محافظة القطيف، تفجير انتحاري وتم العثور على أشلاء بشرية لثلاثة أشخاص يجري التحقق منها».