إبراهيم البدراوي – القاهرة إبراهيم البدراوي – القاهرة

البرادعي .. إفراز لنخبة التكيف (3)

إن النتيجة الجوهرية المستخلصة من استعراض تطور النخبة المصرية لأكثر من قرنين هي أن مسيرة تطورها في المراحل الخمس تؤكد بشكل ساطع على أنه حيثما كان «الجيش» طرفاً أصيلاً في المعادلة السياسية، بالتحالف مع قوى مدنية ذات نزوع جذري وطنياً واجتماعياً (أي تقدمية)، فإن سلطة هذا التحالف تنتج مشروعاً نهضوياً شاملاً يتعمق صعوداً بشكل مستمر. ونفضل وصف سلطة هذا التحالف بـ«سلطة التحالف الوطني الشعبي».

والعكس هو الصحيح في حال استئثار النخبة المدنية المعادية لدور الجيش. إذ تنتج تبعية للقوى الاستعمارية وإفقاراً وخراباً وتفريطاً بالأمن القومي. إذ يكون همها الأول والأخير هو الثروة والسلطة، دون أي اكتراث بالوطن والشعب ومصيرهما. وهي بالتالي «سلطة التبعية والعمالة».

ولا يعني ذلك أن المراحل الثلاث السابقة التي تم فيها «التحالف العسكري– المدني» أي «الوطني الشعبي» كانت مبرأة من الأخطاء والنواقص. ولكن تناول هذه الأخطاء والنواقص يتطلب أن يتم التعامل معها بالنفي الجدلي لها. وليس بالنفي العدمي للمرحلة كلها، لأن ذلك ليس مجرد تناول غير علمي، ولكنه خطيئة تصل إلى حد الخيانة. 

أين موقع البرادعي من كل هذا؟

لكي يتضح موقع البرادعي نورد عرضاً مختصراً للشروط الأمريكية التي يجب توفرها في الشخص الذي يشغل موقع «الرئيس» في مصر من وجهة نظرهم:

- أن يكون مدنيا

- ألا يكون على صلة بالجيش

- أن يخفض دور الجيش في القرار السياسي والاستراتيجي إلى أدنى المستويات

- أن يحافظ على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بحالتها الراهنة، أي في نفس إطار توجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين

- أن يحتفظ بعلاقات مصر الخارجية في إطار المعاهدات والاتفاقيات المبرمة

- أن تكون الدولة ذات طبيعة علمانية

وتبرز هذه الشروط مدى الإدراك الأمريكي لطبيعة المراحل التي مرت بها النخبة المصرية. وبالنتيجة فقد اتخذت موقفاً هو امتداد للموقف المعادي الذي اتخذته أوربا الاستعمارية بداية من مشروع «محمد علي» مروراً بـ«الثورة العرابية» وصولاً لـ«ثورة يوليو» وما يعنيه دور الجيش المصري، الذي تكن له الامبريالية والصهيونية كراهية مطلقة. وبالتالي فهي تقف موقفاً مضاداً بالمطلق لأي دور له في القرار السياسي والاستراتيجي، أي في المعادلة السياسية في البلاد.

المتأمل لهذه الشروط يجد أنها تنطبق كلياً وبدقة على البرادعي. فهو مدني، ليس على صلة بالجيش، يدين ويكن كراهية مفرطة لثورة يوليو، يمتدح بشكل مفرط مرحلة «نخبة المصالحة مع الغرب» أي مرحلة الاحتلال البريطاني. لم يتناول إطلاقا السياسات الاقتصادية والاجتماعية ، أو دور صندوق النقد والبنك الدوليين، لم يتكلم عن خصخصة وتدمير الاقتصاد، أو كنس المكتسبات والضمانات الاجتماعية للطبقة العاملة وفقراء الفلاحين بفرض قانوني العمل الموحد والعلاقة بين المالك والمستأجر للأرض الزراعية الجائرين (كأمثلة)، أو عن طرد العمال بالمعاش المبكر. بل اكتفى بكلام عام ومبهم وسطحي عن الفقراء والديمقراطية، التي لا يمكن الوصول إليها في ظل هيمنة هذه النخبة على الثروة والسلطة. لم يتفوه بلفظ عن كامب ديفيد والتطبيع مع العدو الصهيوني، أو عن التبعية، أو عن السياسات الأمريكية في المنطقة، أو عن الصراع العربي الإسرائيلي والحقوق الفلسطينية، أو عن ضرورة مساندة المقاومة. بل أكد حرصه والتزامه بالمعاهدات والاتفاقيات التي وقعتها مصر. لم يتكلم عن التحرر الوطني، أو علاقات مصر العربية!!!

ويتضح بجلاء أن البرادعي هو بديل من «نخبة التكيف».نفسها يتم تقديمه في ظروف الاحتقان والاحتجاج الاجتماعي المتصاعد. بهدف امتصاص سخط جماهير الكادحين ورفضها لسلطة مبارك ونخبته الطبقية– السياسية، ولمصادرة إمكانية التغيير الحقيقي الذي يتطلب إقصاء الطبقة الحاكمة. وبالتالي خداع القوى الشعبية الكادحة لسنوات، تكتشف بعدها «الشرك» الذي تم نصبه أمريكياً لها.

«البرادعي» هو الذي مهد لغزو واحتلال العراق بتقاريره التي قدمها أثناء توليه رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحصل بمقتضاها على «جائزة نوبل». وليقارن أي عاقل بين تقارير البرادعي وتقارير «الخواجة» هانز بليكس الذي كان أكثر نزاهة وإنصافاً من البرادعي العربي المسلم.

العديد من الماركسيين والناصريين والوطنيين بتصورات خاطئة أو متذاكية أو يائسة، إذ يؤيدون البرادعي فإنهم ينتقلون موضوعياً إلى مواقع «نخبة التكيف» بقدر من تحسين شروط هذا التكيف على أحسن تقدير، وهى شروط غير قابلة للتحسين. فهم يسهمون موضوعياً في تضليل جماهير الكادحين.

إننا إزاء طبقة وليس مجرد فرد. والموقف الصحيح هو النضال ضد مبارك وولده ومجمل الطبقة التي سلبت الثروة والسلطة، ونخبتها السياسية بما فيها البرادعي.

إننا مطالبون باتخاذ الموقف الصحيح المستخلص من تاريخنا.