الفتنة ليست نائمة.. فلنهزم من يوقظها

ما زالت المواجهة تتصاعد بين شعوب منطقتنا بشكل لافت وبين التحالف الإمبريالي- الصهيوني منذ صدور قرار مجلس الأمن العدواني رقم 1559 في أواخر 2004، بعد أن تبين لواشنطن أن احتلال العراق لم يكن كافياً لتفعيل «نظرية الدومينو» باتجاه تغيير الخرائط الجغرافية في المنطقة وضرب المقاومات فيها وإسقاط بعض الأنظمة التي ترفض الإملاءات الأمريكية- الإسرائيلية عليها مثل سورية وإيران.

وفي هذا السياق، جاءت جريمة اغتيال رفيق الحريري وما تلاها من حملة إعلامية وحرب نفسية شاملة ضد سورية والمقاومة في لبنان، لتنقل الصراع إلى عتبة جديدة قوامها إيقاظ واستحضار سلاح الفتنة الدينية والمذهبية في لبنان وعلى مستوى العالم العربي، ومنذ البداية كان لافتاً أن القوى الرجعية العربية دخلت بقوة على مخطط الفتنة الطائفية من خلال تبني الموقف الأمريكي باستبعاد الكيان الصهيوني من أية شبهة بإمكانية تورطه في جريمة اغتيال الحريري. ونذكّر أن الملك عبد الله الثاني- عاهل العرش الهاشمي، كان أول من أطلق مصطلح «الهلال الشيعي ومخاطره على الأمتين العربية والإسلامية»، وبالتوازي مع ذلك لعب فريق 14 آذار في لبنان دور رأس الحربة في خدمة المخطط الأمريكي- الصهيوني الرامي إلى ضرب المقاومة في لبنان والتي كان لها شرف تحرير الجزء الأكبر من جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني عام 2000، وكانت سابقة جديدة في تحقيق أول الانتصارات الكبرى على جيش العدو الصهيوني بقوى شعبية قليلة العدد، تمتلك تنظيماً عالي الانضباط وإرادة سياسية- صوانية للمواجهة مع العدو وتحرير الأرض.

ومن هنا بدأ التوجه الخطير نحو وضع «ملف الاغتيال» في عهدة القوى الإمبريالية والأطلسية للتصرف به كأحد أهم أدواتها العدوانية ليس فقط ضد الشعب اللبناني، بل ضد شعوب المنطقة قاطبة. فمنذ تشكيل أول لجنة دولية للتحقيق في الاغتيال برئاسة فيتزجيرالد ثم ميليس وبراميرتز وصولاً لتشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بقرار مجلس الأمن وتحت الفصل السابع، وتعيين دانيال بلمار مدعياً عاماً في المحكمة، كان سلم الأولويات لدى كل هذه الطواقم توجيه الاتهامات وعلى مدى خمس سنوات ضد سورية. وعندما فشل هذا التوجه فشلاً ذريعاً على المستويات كافة لبنانياً وعربياً ودولياً، بدأ التسريب عبر الإعلام الدولي والعربي لاحقاً أن المتهم بجريمة الاغتيال هم «عناصر حزب الله»، وقد توهم القائمون على تشكيل المحكمة الدولية من واشنطن إلى باريس ولندن وصولاً إلى تل أبيب أن مجرد توجيه الاتهام إلى حزب الله يمكنه تحقيق الأهداف الأولية التالية:

1 ـ تشويه صورة المقاومة وخلق مناخ معاد لها ومشكك بأهدافها الوطنية وإنجازاتها الكبرى في تحرير الأرض ومواجهة قوى العدوان الإمبريالي- الصهيوني في المنطقة.

2 ـ إرباك حلفاء المقاومة على الساحتين اللبنانية والعربية ومنع تحول خيار المقاومة الشاملة إلى تيار وطني شعبي جارف يعيد اصطفاف القوى السياسية في المنطقة على قاعدة الموقف المعادي والذي لا لبس فيه ضد الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وديمقراطياً.

3 ـ إن «تلبيس» الاتهام زوراً لحزب الله سيفضي إلى «تجهيل» الفاعل الحقيقي في اغتيال الحريري وفتح الباب واسعاً أمام استمرار «استثمار» الجريمة وتضليل الرأي العام العربي والدولي وتعبئته ضد قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، وفتح الباب أيضاً أمام استخدام «المسلمين والأقباط» وتأجيج «الفتنة» العرقية بين العرب والكرد وكذلك بين أهل الجنوب والشمال في السودان، وأخيراً وليس آخراً بين العرب وإيران!

4 ـ إن الاستمرار في توجيه الاتهامات الباطلة ضد حزب الله سيساعد الكيان الصهيوني في الاستفادة من ذلك إلى أقصى حد والخروج من المأزق الاستراتيجي الذي سببه صمود المقاومة وفشل جيش العدو في تحقيق أهداف حرب تموز 2006، وهنا لابد من التذكير بما قاله مؤخراً شاؤول موفاز رئيس الأركان ووزير الحرب السابق في الكيان الصهيوني: «أيها المسلمون حذار من الخطر الشيعي الذي يهدد السنة في المنطقة ويهدد إسرائيل، تعالوا نتحالف معكم ضد هذا الخطر»!!.

.. فهل من مزيد لتوضيح مخاطر الأهداف المعلنة والمستترة لما يسمى بالمحكمة الدولية؟ فليس هناك مخرج سوى التمسك بالمقاومة والالتزام بخيار المواجهة حتى الانتصار الأكيد على قوى العدوان الإمبريالي- الصهيوني إقليمياً ودولياً.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.