ملف توتر الأوضاع بين كاراكاس وبوغوتا عن الصحافة الفنزويلية لهذا قطعت فنزويلا علاقاتها مع كولومبيا: كرامة الوطن والسيادة

كاراكاس 21 تموز، 2010 - أعلن الرئيس هوغو تشافيز حالة التأهب القصوى على حدود بلاده مع كولومبيا بعد أن وجهت إدارة الرئيس الكولومبي أوريبي اتهامات خطيرة لفنزويلا، زاعمة أن حكومة تشافيز تؤوي «إرهابيين» من عناصر القوات المسلحة الثورية الكولومبية (FARC) ومن جيش التحرير الوطني (ELN)، وتقيم «معسكرات تدريب إرهابية» على أراضيها، قرب الحدود بين البلدين.

وقدمت حكومة ألفارو أوريبي، المنتهية ولايتها، عرض «باور بوينت» كمبيوتري مبتذل أمام أعضاء «منظمة الدول الأمريكية، OAS»، يعيد إلى الأذهان عرض «أسلحة الدمار الشامل» الذي قدمه كولن باول أمام مجلس الأمن، في عام 2003، لتبرير الحرب على العراق.

فخلال اجتماع استثنائي عُقد في مقر المنظمة بواشنطن قبل أسبوعين، بناء على طلب حكومة أوريبي، قدم ممثل كولومبيا، لويس ألفونسو هويوس، عرضاً لصور وأفلام فيديو، زاعماً الحصول عليها من أجهزة كمبيوتر صودرت إبان اجتياح القوات الكولومبية للأراضي الإكوادورية في آذار من عام 2008، الذي انتهى إلى مقتل قائد القوات الثورية، راؤول ريس، وعدد من مواطني كولومبيا والإكوادور والمكسيك.

كما عرض خرائط وصوراً يفترض أنها لأعضاء في القوات الثورية تم التقاطها في فنزويلا. إضافة إلى صور ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية، بعضها من خلال «Google Earth»، ليثبت «إحداثيات» مواقع وجود عناصر القوات الثورية في فنزويلا. 

لا أدلة حقيقية

لا توجد صورة منها موثقة بالتاريخ والمصدر، أو يمكن لأحد اعتبارها موثوقة إلا الحكومة الكولومبية. يُظهر بعضها أعضاء مفترضين في القوات الثورية، في غابات ومناطق ساحلية مختلفة.

يجدر الذكر في هذا المجال أن فنزويلا وكولومبيا تشتركان بحدود حراجية وجبلية وكلاهما لهما شواطئ تطل على البحر الكاريبي. لذلك، وبعد أن عرض هويوس صورة يزعم أنها لأحد أعضاء القوات الثورية وهو يحتسي الجعة على شاطئ بلدة «تشيتشيريفيتشي» الفنزويلية، علق ممثل فنزويلا، روي تشادرتون: «يبدو لي أن هذا شاطئ سانتا مارتا الكولومبي. لا يوجد أي دليل، ولا حتى جزء من دليل، يثبت مكان التقاط هذه الصور أو تاريخها».

وعلى أية حال حدد الجيش الفنزويلي المواقع والإحداثيات التي قدمتها حكومة أوريبي، ومسحها مسحاً شاملاً ولم يجد فيها أياً من «المعسكرات» أو «المواقع الإرهابية» المفترضة.

ففي الموقع الأول المحدد حسب تقرير كولومبيا أنه «معسكر إرهابي» يؤوي روبين زامورا، وجد الجيش الفنزويلي حقلاً لزراعة الذرة ونباتات أخرى. أما الموقع الثاني، حيث يفترض أن يوجد قائد القوات الثورية، إيفان ماركيز، فلم يكن سوى مساحة واسعة ممتدة، لا أبنية فيها ولا منشآت ولا أحد، ولا حتى شيء. 

التدخل الدولي

خلال عرضه المنمق الطويل، طالب هويوس بـ«تدخل دولي» في فنزويلا لمعاينة المواقع المحددة منذراً فنزويلا ومحدداً لها مهلة 30 يوماً: «تطالب كولومبيا بتشكيل لجنة دولية، تضم بين أعضائها جميع الدول المنضوية في إطار منظمة الدول الأمريكية، تتقصى كل مواقع معسكرات الإرهابيين، وتعاين الحقائق. وأضاف هويوس: «ونحن نمنح فنزويلا مهلة 30 يوماً»، دون أن يوضح ما الذي يمكن أن يحدث بعد انقضاء المهلة!

واتهم هويوس الحكومة الفنزويلية بتسهيل عمليات غسيل أموال تجارة المخدرات، وصفقات أسلحة غير شرعية، والاعتداء على الجيش الكولومبي، إضافة إلى اتهام حكومة تشافيز بـ«سحق المعارضة» الفنزويلية و«قمع حرية التعبير عن الرأي»، و«إهانة الحكومات الأخرى» و«انتهاك مبادئ الديموقراطية»!! وفي الوقت ذاته، لم يفت هويوس ذكر أن الحكومة الكولومبية ليست مستعدة للاستماع أو للرد على أية إهانات أو تهجمات أو اتهامات توجهها الحكومة الفنزويلية لكولومبيا. ليس موقف كولومبيا هذا إلا صدى لموقف واشنطن التي اتهمت فنزويلا بإيواء عناصر القوات الثورية خلال السنوات السبع الماضية. لكنها أخفقت على الدوام في تقديم أي دليل يسند ادعاءاتها، وكثيراً ما تدلي بتصريحات متناقضة تعكس فقدانها لمثل هذا الدليل.

في آذار من عام 2010، وأمام اللجنة العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي، صرح الجنرال الأمريكي دوغلاس فرايزر، قائد القوات الجنوبية: «لم نجد أي صلات نستطيع من خلالها التأكيد على وجود صلة مباشرة حكومية – إرهابية». لكنه ناقض نفسه في اليوم التالي أمام أجهزة الإعلام حين قال «توجد أدلة واضحة وموثقة على وجود روابط تاريخية وحالية بين الحكومة الفنزويلية والقوات المسلحة الثورية الكولومبية».

لعل فرايزر يشير إلى الحكومات الفنزويلية السابقة، مثل حكومة كارلوس أندريس بيريز (1989 - 1993)، أو حكومة رفائيل كالديرا (1994  - 1998)، اللتين فتحتا مكتباً للقوات الثورية في القصر الرئاسي، أغلقه هوغو تشافيز بمجرد ترؤسه فنزويلا في عام 1999.

أو لعل الجنرال فرايزر يقصد طلب رئيسين كولومبيين من تشافيز أن يتوسط من أجل إطلاق سراح رهائن احتجزتهم القوات الثورية. فبناء على طلب خاص من الرئيس أوريبي وتصريحه، قبل الرئيس هوغو تشافيز في أيلول/2007 لعب دور الوساطة من أجل إنقاذ أرواح الرهائن المحتجزين داخل الأراضي الكولومبية، لدى القوات الثورية. ولهذا السبب فقط، التقى تشافيز قائد القوات، إيفان ماركيز، متوصلاً في النهاية إلى إطلاق سراح كلارا روخاس وكونسويلو غونزاليز في الشهر الأول من عام 2008.

فيما عدا ذلك، نفت السلطات الفنزويلية على الدوام أي دعم أو صلة بينها وبين القوات الثورية أو أية مجموعة مسلحة غير نظامية في كولومبيا أو في غيرها من الدول. 

ثم قطعت العلاقات

بعد عرض كولومبيا أمام ممثلي منظمة الدول الأمريكية، أعلن الرئيس الفنزويلي قطع العلاقات معها قائلاً «والألم يعتصر قلبي أعلن أننا سنقطع جميع علاقاتنا مع كولومبيا. لا خيار لنا، صوناً لكرامتنا وحفاظاً على سيادتنا. ولقد أصدرت أمر إعلان الاستنفار الشامل في المناطق الحدودية. لأن أوريبي مافيوي وكاذب ومستعد لارتكاب أي عمل». وذكّر تشافيز بإصدار أوريبي أمر اجتياح أراضي الإكوادور في عام 2008، وكيف كذب لاحقاً على رئيسها «رفائيل كوريا» حول حقيقة الأحداث ومجرياتها.

وقد انتقدت فنزويلا الحكومة الكولومبية لعجزها عن حل مشاكلها الداخلية، بما فيها حربها الأهلية ذات الستين عاماً التي تأثرت بها سلباً كل الدول المجاورة، عنفاً وتهريباً للمخدرات عبر الحدود، علاوة على هروب أكثر من أربعة ملايين كولومبي من العنف، يعيشون حالياً في فنزويلا.

ختاماً، يتكشف هذا «العرض» الكولومبي عن محاولة تبرير شن حرب استباقية ضد فنزويلا. ويذكر هنا أن كولومبيا سمحت، في العام الماضي، بإقامة سبع قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها، ضمن اتفاق عقدته مع الولايات المتحدة التي تحتاجها من أجل القيام بـ«عمليات عسكرية واسعة النطاق» تشمل أمريكا الجنوبية كاملة في إطار «الصراع مع التهديد الذي تمثله الحكومات المناهضة للأمريكيين في المنطقة». 

تشافيز: الولايات المتحدة وكولومبيا تستعدان لمهاجمة فنزويلا 

كاراكاس، 24 تموز، 2010 – أعلن الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، استنكاره عزم الولايات المتحدة مهاجمة فنزويلا والإطاحة بنظام حكمها.

وخلال احتفال أقيم بمناسبة الذكرى 227 لميلاد بطل الاستقلال سيمون بوليفار، تلا تشافيز فقرات من رسالة سرية وصلته من مصدر مجهول داخل الولايات المتحدة.

«لم أرك منذ زمن بعيد، يا صديقي القديم. كما أخبرتك في رسائلي الثلاث السابقة، ما زال المشروع يتمحور حول إثارة حرب من الجهة الغربية لحدود بلادكم».

«تؤكد الأحداث الأخيرة كل... أو تقريباً كل ما كنتُ قد تطرقت إليه بالتفصيل، وما سبق أن أوردته من معلومات».

وتذكر الرسالة أيضاً أن «مرحلة تجهيز المجتمع الدولي، بمساعدة كولومبيا، وضعت قيد التنفيذ»، في إشارة إلى اجتماع «منظمة الدول الأمريكية، OAS»، الذي وجهت فيه الحكومة الكولومبية اتهامها لفنزويلا بإيواء «إرهابيين» وإقامة «معسكرات تدريب إرهابية» على أراضيها، وأنذرت حكومة تشافيز بأن عليه قبول التدخل الدولي بفنزويلا خلال مهلة 30 يوماً.

بمزيد من التفصيل يتابع كاتب الرسالة: «ذكرت لك سابقاً أن الأحداث لن تبدأ قبل السادس والعشرين من تموز، ولكن، لسبب ما، استعجلوا القيام بالعديد من الأفعال التي كان يفترض أن تبدأ لاحقاً... ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تم تقديم موعد بدء مرحلة التنفيذ، تزامناً مع إرسال القوات العسكرية الأمريكية إلى كوستاريكا بذريعة محاربة تهريب المخدرات».

في الأول من تموز، سمحت الحكومة في كوستاريكا لـ46 سفينة حربية أمريكية وسبعة آلاف من قوات البحرية بدخول موانئها واستخدام أراضيها. والهدف الحقيقي من هذه التعبئة العسكرية هو «إسناد العمليات العسكرية» ضد فنزويلا، حسب ما أوردته الرسالة. 

اغتيال وإطاحة

وتكشف الرسالة أن «الولايات المتحدة اتفقت مع كولومبيا على تحقيق هدفين: الأول هو موريشيو، والثاني هو الإطاحة بالنظام». وبيّن هوغو تشافيز أن «موريشيو» هو اسمه الحركي المستخدم في هذه المراسلات.

وتحذر الرسالة من أن «العملية العسكرية ستحدث. وسيقوم بها أولئك القادمون من الشمال، ولكن ليس في كاراكاس مباشرة. سوف يقتنصون موريشيو خارج كاراكاس، هذا هام جداً، أكرر، هذا هام جداً».

وفي سياق حديثه، كشف الرئيس تشافيز أنه كان قد تلقى سابقاً رسائل مشابهة، من المصدر ذاته، تحذره من أخطار جدية. واحدة منها وصلته قبل أيام من عملية إلقاء القبض على مائة عنصر من عناصر الميليشيات الكولومبية المسلحة في ضواحي كاراكاس، كانوا يعتزمون القيام بسلسلة اغتيالات في صفوف القيادة الفنزويلية.

أما الرسالة الأسبق فتلقاها في عام 2002، قبل أيام من الانقلاب الذي أزاحه عن السلطة لفترة قصيرة. «حذرت الرسالة من القناصين ومن الانقلاب»، والكلام لتشافيز، «وكانت صحيحة، المعلومات كانت صحيحة، وحدث ما حدث».