عمال العراق يواصلون النضال معتزين بالتضامن الأممي
بعد انهيار التجربة الاشتراكية العالمية زادت شراسة القوى الإمبريالية إلى حدود تخطت كل الاعتبارات. وفي أوساط حركات التحرر الوطني طغت كفة اليأس والقنوط باستثناء النواة الصلبة أو أجزاء منها. وفي الحرب الإمبريالية الأولى على العراق ظهر النظام الدولي الجديد ذو القطب الواحد. وفي حرب احتلال العراق بدأ نظام القطب الواحد يعاني الوهن والضعف، وتعددت أزماته، وزادت شراسته.
لا نقول إن كل الضعف الذي أصاب القوى المهيمنة والنظام الدولي الجديد كان بفعل نضال الشعب العراقي من أجل استعادة استقلاله وكرامته، ولكن قطعاً كان لذلك النضال جزء أساسي. ولا نقول إن شعب العراق وقف وقفة رجل واحد لمواجهة العدوان، وذلك لألف سبب وسبب منها الداخلي ومنها الخارجي.
في الأيام الأولى للاحتلال لم تكن كل أوراق المحتل وخدمه مكشوفة، واللعب على العواطف البدائية كان في أشد قوته، وإلى اليوم يمارسون اللعبة ذاتها، ولكن الضوء بات ساطعاً على بيادق اللعب في ساحة المحتل، ومن العسير على المحتل تبديل البيادق القديمة بجديدة للتمويه، خاصة بعد انكشاف عورة الدعاية العرقية والمذهبية والطائفية وغيرها من أدوات «فرق تسد» التي باتت عارية.
إن الثمن الذي دفعه الشعب العراقي كان باهظاً للغاية. وإن فقراء العراق هم الذين دفعوا الثمن الأقسى، وفي المقدمة منهم العمال الذين كان لنضالهم الدور الأساسي في إعادة الوجه النضالي الحقيقي لشعب العراق. بدأت النضالات المشرفة للعمال من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله. وندعو كل ذاكرة قصيرة إلى العودة إلى ما كتبناه عن عمال بغداد والبصرة والسليمانية. إن ما كتبناه ليس توثيقاً للسجل النضالي لعمال العراق ضد المحتل وخدمه، بل هو جزء من المعركة، ولهذا لم يكن سجلاً كاملاً لكل أحداث تلك الأيام المجيدة، ولكنه في الوقت ذاته يقدم قراءة لعوامل الأحداث واتجاهاتها. إن نضال العمال لم يكن محصوراً بعمال النفط فقط وهم الطليعة المقدامة، ولكن في كل حقول الإنتاج، والأدق في ما تبقى من الصناعة العراقية. لقد خاض عمال الأسمنت في طاسلوجة بالسليمانية معركة الحقوق بالأمس، واليوم زملاؤهم في معمل إأسمنت الفلوجة. إن مصلحة العمال واحدة في وطن واحد. وإن معاركهم لا هوادة فيها.
أقول لقصيري الذاكرة راجعوا ما كتب تحت العناوين التالية: «عيد العمال ومجد المنسيين والمحرومين والمضحين»، «العمال راية الوطن في النضال من أجل التحرر والخبز والبناء»، «لتتشابك الأيدي مع عمال النفط في البصرة الفيحاء» و«حديث مع عمال معمل اسمنت طاسلوجة» وغيرها الكثير.
قلنا في أحدها: «ندعو كل من يريد الاحتفال حقاً بالأول من أيار أن يعرب عن التضامن بكل أشكاله مع العمال العراقيين ضحايا الاحتلال وعملاء الاحتلال». وفي آخر جاء: «أناشد أخوتي في اتحاد العمال العرب؛ أخوة المرحوم أسعد راجح ومحجوب بن صديق والشفيع وعلي شكر والفلاحي والعياش وعبد الرحيم إسحاق، وأقول لهم: أنتم أدرى بقلوب وعقول العمال العرب، وأين تقف في معركة إبادة الشعب العراقي، وينبغي أن تكون مساندتكم للعمال العراقيين بذات حرارة موقف العمال العرب أنفسهم، إنهم يتطلعون إليكم، ومن واجبكم الوطني والقومي ألاّ تبخلوا في مساندة عمال العراق عامة، وعمال نفط البصرة خاصة لأنهم حراس حقولكم وحقول شعب العراق، ولا تنسوا ولو للحظة واحدة بغداد التي كانت لقرون قلب بلادكم ويدها ورمز عزتها، وكذا كربلاء والأنبار والنجف والموصل وكركوك والسليمانية وكل مدن العراق العزيز المستباح من اللصوص والمجرمين. لا تنسوا العمال العراقيين لأنهم الفصيل الأول الذي اكتشف اللعبة الطائفية والعرقية وتصدى لها، وهي السلاح الأول حالياً لتدمير المنطقة بأسرها... وأقول لرفاقي في اتحاد العمال العالمي، إن الأوضاع في العراق الآن وفي المستقبل المنظور، تتطلب منكم شحذ الهمم أكثر في تأدية واجبكم الأممي تجاه أصدقائكم العمال العراقيين والشعب العراقي عامة. إن تضامنكم بوتائر أعلى وأقوى بات حقاً مطلوباً وضرورياً ومبدئياً.
لقد لبى نداءنا، ونداءات غيرنا، العديد من النقابات والاتحادات والشخصيات العمالية العربية والأجنبية. وسرعان ما أعرب العمال العراقيون عن تقديرهم لهذا التضامن العمالي العالمي، حيث جاء في بيان نقابي صدر مؤخراً ما يلي: «تتعرض اليوم النقابات العمالية العراقية لهجمة شرسة من الحكومة خصوصاً بعد تظاهرة الموانئ ... وقد أثارت قرارات نقل بعض قادة تظاهرة الموانئ ردود فعل عالمية، حيث أعلنت الاتحادات العمالية الدولية شجبها واستنكارها لهذا العمل الذي يتقاطع تماماً مع الاتفاقيات الدولية التي شرعتها منظمة العمل الدولية». وأعرب العمال العراقيون عن فخرهم بتضامن الملايين من عمال العالم معهم في نضالهم المشروع من أجل الحرية والعيش الكريم.
في هذه الأيام تشن الحكومة الرعناء عدواناً على عمال النفط والموانئ في البصرة، وهي مازالت مرعبة من انتفاضة هذه المدينة الباسلة، تلك الانتفاضة التي وصفت بانتفاضة الكهرباء. واليوم يتصاعد النضال ضد قرارات وزارة الكهرباء الجائرة، حيث قررت الأجهزة الفاسدة في هذه الوزارة منع ممارسة العمل النقابي، ووضع العمال وقادة نقاباتهم تحت طائلة قانون «مكافحة الإرهاب»، وهو قانون إرهابي بذاته، وأغلقت المقرات النقابية وصادرت وثائقها، وأخيراً وليس آخراً أقامت محاكم تفتيش تحت ذريعة «إعادة تقويم استحقاق منتسبي النقابات للامتيازات الممنوحة لهم».
يا أحرار العالم في كل مكان ساندوا النضال العادل لعمال العراق.