الطريق نحو روسيا معبد بالتنازلات

الطريق نحو روسيا معبد بالتنازلات

عادة ما توصف العلاقة مع واشنطن وبشكل أوسع مع حلف «الناتو» كالعلاقة مع الشياطين، إذ لطالما كانت الولايات المتحدة تزُين لأتباعها طرق التورّط في ملفات هي غاية في الخطورة، لتنسحب بعدها تاركة الفوضى والدمار تحل في كل مكان: جورجيا، أوكرانيا، تنظيم «القاعدة»، و«طالبان»، العراق في حقبة النظام السابق، جميعها دول ومجموعات حاربت بهذا الشكل أو ذاك تحت لواء واشنطن، وأخذتها الوعود الأمريكية حتى انتهى بها المطاف مهزومة منهارة.

آخر ضحايا هذا المنطق الأمريكي في المنطقة هما تركيا والسعودية، إذ ورّطت واشنطن تركيا ودفعتها للمواجهة مع روسيا بعد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية في الأراضي السورية. أما السعودية فهي متورطة أصلاً في سورية واليمن، بعد أن أوهمتها الأوساط الفاشية في الإدارة الأمريكية بأن مسألة الحسم في البلدين هي مسألة وقت.

كيف خلقت الولايات المتحدة الوهم؟

تضع الولايات المتحدة دائماً خطط لها في مقابل التحديات التي تواجهها في كل مكان توجد فيه، وتوكل للمشتغلين لديها ووكلائها المهام المطلوبة منهم، وتعدهم بالدعم الكامل لتنفيذ الأهداف المرسومة، وهذا ما يخلق وهماً عند الوكلاء بأنهم قادرون على حسم المعركة والحصول على منافع تنفيذ المشروع, وهنا، عَرف العالم منذ انتهاء الحرب الباردة نوعين للتعامل مع الوكلاء، الأول: كما جرى مع العراق وأفغانستان وليبيا، حيث تم التخلص من المشتغل نهائياً من أجل أهداف أشد فوضوية، أما الثاني، وهو الأحدث، فهو: الاستفادة من توريط دول جوار سورية للحصول على أكبر قدر ممكن من الفوضى، في استباقٍ للانسحاب الأمريكي من المنطقة الذي سيترك فراغا للقوى الصاعدة دولياً، أي روسيا والصين.

وخلال الوقت الذي استغرقته كل من السعودية وتركيا لاستيعاب مستوى التورط الغارقتين فيه، كانت الاستفادة الأمريكية كافية لتسير في طريقها، وتترك الدولتين تحاولان إعادة العلاقة مع روسيا، غير أن عودة العلاقات مع روسيا لن تكون مجانية، بل على العكس ستكلف الكثير من التنازلات التي ربما ستؤدي، بهذا الشكل أو ذلك، إلى حد تغييرات بنيوية عميقة في البلدين.

جاءنا شبه «يعتذر»

أرسل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رسالة إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، متمنياً عودة العلاقات بين البلدين إلى مستواها السابق, ليرد الكرملين بأن تركيا تعرف ما عليها أن تنفذه حتى تعود العلاقات إلى سابق عهدها، وهو أن تعتذر تركيا عن قتلها الطيار الروسي وأن تقدم التعويضات لذوي الطيار, الأمر الذي يعني تنازلاً تركياً من حيث مضمونه عن المقاربات السابقة تجاه الأزمة السورية، في ظل يقين متأخر بأن الولايات المتحدة سوف لن تشن حرباً مباشرة على سورية، ولن تستمر طويلاً في دعم الحل العسكري من جهة، ومن جهة لاستنفاذ المشروع التركي نفسه الهادف إلى تمكين «الإخوان المسلمين» وأصحاب الليبرالية الجديدة في سورية.

السعودية المُورّطة

ورطت واشنطن السعودية في ثلاث ملفات: سورية، واليمن، وحرب النفط مع روسيا، لتجد نفسها في النهاية مضطرة إلى خصخصة قطاعاتها السيادية، وبيع أصولها لتمويل تكاليف حروبها. 

أما زيارة ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة التي تمسك الرياض من رقبتها، فلم تكن كافية لردم الخلافات المتصاعدة بين الجانبين، حيث يشتبك الطرفان في حروب كلامية لم يكن آخرها تصريح المرشحة للرئاسة الأمريكية، هيلاري كلينتون، باتهام السعودية بتمويل الإرهاب، والرد الذي جاء على لسان بن سلمان بأن السعودية تمول حملة كلينتون بـ20% من قيمتها. 

طبعاً هذه الزيارة لم تحظَ بتلك الحفاوة التي تلقاها الأمير السعودي في موسكو، حيث تفرض روسيا احترامها على الدول كلها التي تتعامل معها، من خلال عدم فرض الشروط أو الأوامر، الأمر الذي يدفع كل دول المنطقة لفتح علاقات شراكة مع روسيا، التي تمشي بكل ثقة إلى دور رائد على مستوى العالم.