تشويه ثورات «المحيط» من «الخليج»..!

تشير الشعارات والحوامل «الطائفية – القبائلية»، المروجة إعلامياً بالدرجة الأولى، لحالات الحراك الشعبي الدائر في عدد من دول الخليج العربي وليبيا إلى أن هناك من يريد، ولغاية في نفس يعقوب، وأد هذه الحالات وانتشار عدواها بحواملها الاقتصادية الاجتماعية الأصلية والأصيلة سياسياً وطبقياً، عبر جرها من حيث المبدأ، وخلافاً لوقائعها إلى متاهات التحريف والتشويه.

جاءت الانتفاضة التونسية لتكون الشرارة التي تحرق بالدرجة الأولى حواجز الخوف المتراكم لدى المواطن العربي وتثبت قدرته على التغيير، إن امتلك الإرادة لذلك مع إدراكه للأثمان المطلوبة، وذلك بغض النظر الآن وهنا عن ضرورة مواصلة الشعب التونسي لنضالاته في سبيل تثمير ثورته بما أراد ويريد هو، وليس حسب خطط جيفري فيلتمان لجهة مصادرة نتائج الثورة بإجراءات ثورة مضادة بطيئة تعيد نظام «بن علي» بلبوس جديد.

ثم جاءت ثورة يناير في القاهرة والمدن المصرية الكبرى لتقدم نموذجاً أكثر إشراقاً وإلهاماً لجهة إمكانية الصمود وابتداع الأشكال الكفيلة بالإطاحة بطاغية من شاكلة ووزن حسني مبارك وفي بلد من حجم ومكانة مصر، لتعزز شعور ذلك المواطن العربي المقهور بإمكانية التحرر الفعلي، مدفوع الثمن بالطبع، أيضاً، وبما يلغي أحد أهم الثنائيات التي أمدت النظام المصري بسبل البقاء: «الصراع الإسلامي- القبطي».

بعدها مباشرة اندلعت ولاتزال محاولات حراك مماثل في عدد من عواصم المنطقة والعالم ليتركز التسليط الإعلامي على ليبيا وعدد متتال من دول الخليج، حيث يلاحظ أن الأكثر خطورة فيها هو تلك الفوالق الطائفية أو القبائلية التي يُعمل على ترويجها، بعيداً عما يشكل مادة وطنية جامعة للتحرر الوطني بمعانيه الكلية داخلياً وخارجياً، أي الخلاص من الاستبداد والخلاص من التبعية والوصاية. والسبب الرئيسي وراء هذا الترويج هو أن الإدارة الأمريكية تحديداً وقوى الاستعمار والهيمنة عموماً لا تريد ببساطة حدوث أي تغير حقيقي في قواعدها المتقدمة في تلك المنطقة، في وقت ستدرك فيه قوى الشعوب في تلك المنطقة ذاتها أن استدارتها لإحداث أية تغييرات ديمقراطية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ستصل بالضرورة إلى مواجهة من يستخدم المتسلطين عليهم في الداخل ولكن من  وراء البحار.

بالملموس، وفي الوقت الذي تؤكد فيه التظاهرات الاحتجاجية في شوارع البحرين أنها جامعة «للسنة والشيعة»، تقوم وسائل الإعلام العربية والدولية الكبرى بالاستفادة من مواقف وتصريحات بعض القوى السياسية والدينية البحرينية في تصوير الأمر بأنه «انتفاضة شيعية» في وجه حكم «سني»، والأسلوب ذاته ينسحب على عُمان والكويت واليمن وحتى السعودية، مع اختلاف المعطيات والقوى ونضجها وسقوف مطالبها في كل بلد..!

والحال هكذا مع اللعبة الإعلامية، السياسية الدولية المتواطئة مع النظم وأدواتها أو نظيراتها، فإن أي مدد وأي مستقبل ينتظر هذه التحركات؟ وماذا سيجري لمطالبها الأساسية، مثل الانتقال كحد أدنى- هو أعلى بالمقارنة مع القائم- إلى المَلَكية الدستورية بغض النظر عن رأينا فيها، أو إحقاق بعض الحقوق القانونية والاجتماعية أو حل مشاكل «البدون» والبطالة، والعمالة الوافدة، والحريات الشخصية والعامة، وحرية المرأة، إذا كان سيجري «تأريض» كل ذلك فئوياً؟

وماذا سيكون مصير المطالب العادلة لعموم شعوب المنطقة العربية على جبهاتها الداخلية والخارجية، كل حسب ظروفه ومتطلباته؟

لكن، وإذا كان هذا حساب «سرايا» النفوذ والتأثير في العالم، فإن «قرايا» حراك الشعوب قد يكون له فعل آخر، لأن هذه الشعوب ببساطة حققت أول الشروط المطلوبة لذلك وهو عودتها للشارع، ليقع على عاتقها تحديد وتدقيق جملة الأهداف، والسعي لتحقيقها والحفاظ عليها، والأهم منع انحراف البوصلة.

   عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.