خروج أمريكا من ليبيا ينهي حملة التحالف العسكري لفرض منطقة حظر جوي
سحبت الولايات المتحدة بهدوءٍ قواتها البحرية والجوية من ليبيا وأنهت فعلياً تدخّلها العسكري في مواجهة القوات المسلحة التابعة لمعمر القذافي.
لقد عرّض هذا الفعل الناتو وقوتي فرنسا وبريطانيا اللتين تقودان هذه الحملة إلى نقصٍ كبيرٍ في القوات البحرية والجوية اللازمة لوقف تقدّم قوّات القذّافي، أو تعزيز منطقة الحظر الجوي فوق المناطق التي يسيطر عليها أو المحافظة على الحصار البحري المفروض على كلّ الموانئ الليبية.
منذ يوم السبت 2 نيسان، اختفت طائرات سلاح الجو الأمريكي من طراز AC 10 وAC130 المخصصة لمهاجمة المدرّعات وغيرها من الأهداف الأرضية. أعقب ذلك في اليوم التالي مغادرة جميع القاذفات المقاتلة الأمريكية المائة من ميدان الحرب في ليبيا.
نتيجةً لذلك، تراجعت الهجمات الجوية للتحالف الغربي بمعدّل 80 بالمائة. لا يزال لدى قوى التحالف 143 طائرة مقاتلة تعمل فوق ليبيا، لكن أقلّ من نصفها يمتلك قدرة تنفيذ عملياتٍ قتالية. فبقيتها تستخدم في أعمال المراقبة والتجسس ومن ضمنها طائرات نقل بطيئة الحركة يسهل استهدافها من المضادات الأرضية.
يقول خبراء القوات الجوية الغربيون إنّ هذا العدد ضئيلٌ إلى درجة أنّه لا يكفي لمواصلة أعمالٍ قتاليةٍ فاعلةٍ لأكثر من 24 ساعة في الحدّ الأقصى وفوق رقعٍ محدودةٍ من الأراضي مثل مدن طرابلس ومصراتة وأجدابياـ ولا يكفي لتنظيم مراقبةٍ كاملةٍ على خليج سدرة أو المساحات الواسعة شرق وغرب طرابلس. وهم يلاحظون أنّه، حتى لو بقيت الطائرات الحربية الأمريكية في الميدان، فلا يمكن منع القوات الموالية للقذافي من استرداد المدن الواقعة على خليج سدرة. لم تفرض منطقة الحظر الجوي، التي تعدّ المهمّة الرئيسية لحملة التحالف العسكرية ضدّ القذّافي، خارج أجواء معاقل المتمرّدين في بنغازي وطبرق في الشرق. ومن غير مشاركة الولايات المتحدة، سيكون محالاً مواصلة حتّى مهام محدودة. فقد استفاد القذّافي من مواطن ضعف التحالف من خلال تشغيل أسطوله الجوي المؤلّف من 145 طائرة نقل. فالأجواء المفتوحة في 90 بالمائة من المجال الجوي الليبي يجعلها قادرةً على نقل تعزيزات الجنود والمعدات من مكانٍ إلى آخر.
كذلك، أرسلت هذه الطائرات منذ الأسبوع الماضي إلى خارج البلد لشحنها من عددٍ من القواعد الجوية العسكرية الإفريقية، بالذخائر وقطع الغيار التي يشتريها نظام القذافي من مصادر عربية وإفريقية فضلاً عن تجار الأسلحة.
تقديرات الغرب أنّ الجزء الأكبر من المدرّعات والقوّات البرّية الموالية للقذّافي قد دمّرته عمليات القصف الأمريكية هو أمرٌ مبالغٌ فيه وفق وقائع الأرض. فأكثر من ثمانين بالمائة من هذه القوات تبدو بجاهزيةٍ عالية ولم يتجاوز عدد المنقلبين على القذافي 1200 جندي.
وكما تضاءل القصف الجوي الأمريكي يوم السبت وكذلك الهجمات الصاروخية من البحر على المواقع الحكومية الاستراتيجية، كذلك انسحبت 12 سفينة حربية من الشاطئ الليبي منذ 19 آذار، ومن ضمنها الغواصة النووية «يو إس إس» والمدمرات حاملة الصواريخ الموجهة المرافقة لها والتي قادت الهجوم البحري على ليبيا. بمغادرة الأمريكيين، سيكون القذافي قادراً على إعادة بناء دفاعاته الجوية ومراكز القيادة التي أصابتها الهجمات بالشلل. فهو في موضعٍ يؤهّله الآن لإحباط حملة التحالف العسكري الغربي التي سعت لإسقاطه.
إخفاق هذه الحملة بالمعنى العسكري
لا يزال الناتو- وخاصةً لندن وباريس- يصرّ على أنّه مستعدٌّ لمواصلة القتال حتى النهاية... لكنه في الحقيقة، ومنذ الأسبوع المنصرم، يسعى وراء مخارج دبلوماسية. وصول وزير الخارجية الليبي موسى كوسا إلى لندن بعد تخليه عن النظام قدّم لبريطانيا فرصة ترويج إشاعةٍ مفادها أنّ «12 فرداً من القيادات العليا» المقرّبة من الحكم الليبي تسعى للهروب من السفينة الغارقة واللجوء إلى لندن.
وزعمت إشاعةٌ أخرى أنّ ابن القذّافي، سيف الإسلام، بعث برسولٍ موثوقٍ إلى لندن لجسّ النبض حول فراره أيضاً. هذه الإشاعات إشاراتٌ إلى القذّافي بأنّ حكومة ديفيد كاميرون مستعدّةٌ لعقد صفقةٍ إذا وافق القذافي على التخلي عن خططه لاسترداد بنغازي والإقرار بسيطرة الثوار على المنطقة الشرقية. ستسمح مثل هذه الصفقة للناتو وبريطانيا وفرنسا وباقي الحلفاء بالإبقاء على وضع التوازن الراهن في ليبيا، ومغادرة ساحة المعركة دون إراقة ماء الوجه. يسعى الثوار لاقتناص وقف إطلاق النار بعد أن أدركوا أنّ رعاتهم يبحثون عن مخرج. أمّا القذّافي، فيمعن النظر في خياراته بحذرٍ بعد أن أنجز هدفه الأساسي، إنهاء التدخل الأمريكي وقواته تتقدم إلى الأمام.
DEBKA File / ترجمة قاسيون