«نووي إيران»: محاولات للمناورة بين السطور؟
بعد اتفاق لوزان في نيسان الماضي, وبانتظار التوقيع الذي من المفترض أن يكون نهائياً في حزيران القادم, تستكمل مفاوضات الملف النووي الإيراني في 12/5/2015 في فيينا, للعمل على صياغة النص النهائي للاتفاق المرتقب.
في كل القضايا ذات الطابع الدولي، يعكس التغيير في هذا الملف أو ذاك تبدلاً ما في موازين القوى الدولية. وهنا، تبدو النجاحات في الملف النووي الإيراني، بالمعنى التفاوضي والتقني المباشر، على أهميتها، عوامل ثانوية في سياق العامل الأساسي المتمثل في تراجع القدرة الأمريكية على استخدام أدواتها التقليدية في تحصيل النفوذ الدولي.
من العسكري إلى السياسي
يرتبط تسارع الإنجاز في الملف النووي الإيراني، في أحد جوانبه، بإدراك جزء من الإدارة الأمريكية ضرورة تغيير أدوات الصراع على النفوذ الدولي، من المواجهة المباشرة إلى أدوات تدخل جديدة غير مباشرة، علّها تحصّل ما لم تحصل عليه بالقوة التقليدية، المتمثلة بنفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة والعالم.
وعليه، فإنه من غير المحتمل أن تسير مفاوضات النووي الإيراني إلى خواتيمها المنطقية بخضوعٍ أمريكي مطلق, خصوصاً أننا نتحدث عن تراجع الدور الأمريكي، وليس ركون الولايات المتحدة إلى مآلها المنطقي بما يعادل وزنها الاقتصادي بعد, فما هي حدود المناورة الأمريكية المتبقية في هذا الملف؟
حول افتعال توتر داخل إيران
تبدو المحاولات الأمريكية بين حدّين أحلاهما مر لواشنطن. الأول: يتمثل في حالة الاختناق لدى الجزء الأكثر تشدداً في الإدارة الأمريكية، ودأبه البائس لعرقلة الحلول بشتى الطرق، وهذا ما يظهر جلياً في مداولات الكونغرس الأمريكي. غير أن الإشارات التي يبديها هذا الجزء تبقى حتى اليوم في إطار توتير أجواء التفاوض واستفزاز الإيرانيين, ومن الصعب أن تؤتي ثمارها في ظل اصطدامها مع المتغيرات الدولية.
أما الثاني: فهو أكثر جديةً في محاولة الالتفاف حول إيران على طاولة المفاوضات. فبعد كشف وزارة الخارجية الأمريكية لما سمته «ورقة الحقائق», والتي تخص بنود الاتفاق حول نقاط محددة في المفاوضات غير المعلنة, ثارت موجات من الجدل في داخل إيران حول حقيقة بنود الاتفاقية المنتظرة. حيث يحاول الأمريكيون بذلك الاستفادة، ولو بشكل البروباغندا والضغط السياسي الإعلامي، من التجاذبات الموجودة في إيران بين «المحافظين والإصلاحيين» لإحداث ضغط ما على محصلة المفاوضات, إضافة إلى محاولة تمرير الورقة المذكورة، أو جزء منها، قبل الوصول إلى التوقيع النهائي.
لكن استمرار العملية التفاوضية، كما كان متفقاً عليه في لوزان، عرقل محاولات الولايات المتحدة لحرف مسار التفاوض عن أهدافه المعلنة, حيث لا تزال إيران ترتكز بشكلٍ أساسي على بيان لوزان، الذي يعتبر بياناً رسمياً في صياغة المسودة النهائية للاتفاق.
لكن، ماذا لو سار الأمريكيون طويلاً في خط اللعب بين سطور الاتفاق، وحتى الذهاب نحو طرح قضية تمديد المفاوضات؟ بالنظر إلى وتيرة التراجع الأمريكي، وتصاعد أوزان الدول ذات الاستقلالية النسبية, فمن الممكن للولايات المتحدة أن تعود لاحقاً إلى مسارات الحلول السياسية لكن بوزن أقل, وهو ما نشهده مؤخراً وبشكل متسارع في أوكرانيا وليبيا.