«الفدرلة» بين الخيانة الوطنية والانحراف السياسي!

«الفدرلة» بين الخيانة الوطنية والانحراف السياسي!

أعادت جلسة الكونغرس الأمريكي المنعقدة في 27/5/2015 إلى الاذهان جلسة مجلس النواب العراقي في 11/10/2006 ، وكأن الكونغرس يحصد ثمرة بذرة الفدرلة الفاسدة التي زرعها البرلمان العراقي في أرض وطنية خصبة.

في البداية، ينبغي التأكيد على أن العراق محكوم بممارسات وسياسات نخبه السياسية، بانتماءاتها الطائفية والاجتماعية المختلفة- التي أوجدها وفرضها الاحتلال الأمريكي تباعاً منذ عام 2003. وبالتالي، تمثل تلك الممارسات امتداداً لسياسة المحتل، أكثر منها ما تجاذبته وسائل الإعلام المختلفة من أن المسؤولية في هذه القضية أو تلك تقع على عاتق هذا الطرف، تارة، أو ذلك الطرف، تارة أخرى، بما لا ينفي مسؤوليتها الجزئية المباشرة في كل الأحوال.
احتاج نمو بذرة الفدرلة عشر سنوات من الذبح والقتل لترتوي دماً بريئاً مسفوكاً، فتظهر ثمرة مسمومة يراد توزيعها على كامل الأرض العراقية لتمزقها إرباً. سموم التفتيت التي عبَّر عنها  الكونغرس بما درج على تسميته «مشروع القرار الأمريكي في التعامل مع الكرد والسنة كدولتين مستقلتين».
في الجلسة الأخيرة للبرلمان العراقي، بتاريخ 2/5/2015، لهث نوابه لتدارك النتائج الكارثية لمشروع الفدرلة، الذي كانوا قد زرعوا بذرته بأنفسهم سابقاً، وكانت نتيجة التصويت رفض 170 نائباً عن «التحالف الوطني/ الشيعي» للمشروع الأمريكي، فيما انسحب نواب القوائم «السنية والكردية». وإذا كان انسحاب «التحالف الكردستاني» من الجلسة «منطقياً» لناحية تصويتهم بالأصل على الفيدرالية بأفق التقسيم. غير أن المفارقة تمثلت هذه المرة في رفض المشروع ممن أسهم في زرع البذرة التفتيتية, أي, عبد العزيز الحكيم وابنه عمار اللذان كانا يجوبان المدن العراقية رافعين راية «فدرالية إمارة آل الحكيم» في المحافظات التسع. وتزداد الصورة غرابة عندما يصوت «التحالف السني» لصالح القرار الأمريكي، وهو الذي رفض الفيدرالية عام 2006.
إن الترويج للفدرلة على يد قوى طائفية وإثنية، بما يتناسب مع موقعها الطبقي، أمر مفهوم. أما أن يقوم من يدَّعي زوراً أنه «يساري» بالتساهل في مشروع تقسيم العراق، فهذا تعبيرٌ عن خيانة طبقية ووطنية، لا يمكن لكل «المبررات» التي سيسوقها أن تجعل من هذا الموقف المتعارض على طول الخط مع الثوابت الوطنية العراقية مقبولاً. حيث لا يتعدى الكلام عن تساهل أحد الأطراف «اليسارية» هنا أو هناك مع مشروع القرار الأمريكي كونه امتداداً للخروقات التي أحدثها المحتل لدى العديد من القوى السياسية العراقية.
من جهةٍ أخرى، وصفت «القائمة العراقية» سابقاً التصويت على قانون الفدرالية بالمهزلة والمؤامرة، وأكدت أن «أبناء شعبنا تفاجؤوا جميعاً، ومعهم كافة القوى والقيادات الوطنية العراقية الشريفة، بمهزلة جلسة مجلس النواب ليوم الأربعاء 11/10/2006 الخاصة بإقرار مشروع تقسيم العراق، أو ما يسمى بقانون الأقاليم.. ما ورد في هذا المشروع إنما يمثل تحدياً صارخاً لإرادة أبناء شعبنا العراقي المجاهد، ومشروعاً تقسيمياً واضحاً روجت له إرادة خارجية لا تضمر إلا روح الشر والخراب للعراق وشعبه.. نعتبر ما حدث بجلسة مجلس النواب المذكورة مؤامرة لتقسيم العراق، كما أن الحضور لا يمثلون كل الشعب العراقي، وأن من قام بالتصويت لصالح مشروع التقسيم إنما سيتحمل تبعات الإضرار بمصالح العراق العليا».
راهناً، يأتي التصويت على قانون الكونغرس الأمريكي للإشراف مباشرة على المجاميع المسلحة في العراق، بعد استبدال «داعش» بميليشيات طائفية تكون نواة لحريق يجري التحضير لإشعاله ضد إيران خصوصاً وفي المنطقة عموماً. فالسياسة الأمريكية المتبعة حتى اليوم تنوي تقسيم العراق، والذي، في حال حدوثه، سيعني حمام دم آخر، غير أنه يتنافى مع الظرف الموضوعي لتغير ميزان القوى الدولي والإقليمي الجديد. في المقابل، فقد وفَّر القانون الأمريكي فرصةً حقيقيةً للذين يدعون الوطنية في الحكم، بالإعلان عن إلغاء «اتفاق المصالح الاستراتيجي»، لتعارض القانون تعارضاً مباشراً مع بنود هذا الاتفاق.

منسق التيار اليساري الوطني العراقي