انتصارات الأمس.. وانتصارات اليوم
يعكس الاحتفال بالذكرى السبعين للنصر على ألمانيا النازية هذا العام في موسكو، بشكله وبسياق التحضيرات له وهوية الدول التي ستشارك فيه، تأكيداً على أنه أحد التعبيرات الجديدة عن الميزان الدولي الحالي، وعن طبيعة العلاقات الدولية الجديدة، بما في ذلك من اصطفافات.
يلعب الاحتفال بهذا النصر، وبوصفه رابطاً تاريخياً مشتركاً بين الدول التي تحكمها تقاطعات المصالح الاقتصادية والسياسية، دوراً هاماً في التعبير عن منطق الاصطفافات الجديدة في صفوف القوى الدولية. ويكشف الإعداد الجاري له ليكون «أضخم عرض عسكري في تاريخ روسيا» أهمية الإرث التاريخي للدول الصاعدة في مواجهة الفاشية ومنتجيها من الدول المتراجعة دولياً.
بالطريقة ذاتها التي سهَّلت فيها الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، صعود الفاشية داخل أوروبا وشرق آسيا في منتصف القرن العشرين، يخوض الغرب اليوم عملية تمكين الأذرع الفاشية، وخلقها إن اقتضى الأمر في بعض الدول. حيث انكشفت على طول الخط عمليات التمويل والدعم الأمريكي غير المباشر لتلك الأذرع، وفي بعض الأحيان عمليات الدعم المباشر، التي تجلَّت في «الأخطاء العسكرية» المتكررة لـ«التحالف الدولي»، بما أفضى لتمكين مقاتلي «داعش» في سورية والعراق.
بدلاً عن الحرب العالمية، بماهيتها القديمة وشروطها التي لم تعد متوافرة منذ انتشار السلاح النووي على نطاقٍ واسع، عمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تمرير العديد من الحروب البينية في العالم، ما يؤكد على استمرار مهمة قوى السلم في العالم، وهي التي انتصرت بالمعنى العسكري والسياسي في القرن الماضي، وتمضي اليوم أشواطاً في انتصاراتها السياسية وتضيق الخناق على المغامرات العسكرية للغرب.
عند الحديث عن قوى سلم، وقوى حرب في العالم، فإن ذلك لا يرتبط بالميل إلى هذا الطرف أو ذاك، بل إنه متصل مباشرة بالسلوك التاريخي والحالي للقوى الدولية على اختلاف مشاربها. الجيش السوفييتي، ومعه حلفاؤه الحقيقيون، حرروا أكثر من 120 مليون مواطن في 16 بلداً من الاحتلال النازي، وعتقوا البشرية من ظلام الفاشية التي شقَّت طريقها عبر التسهيلات الغربية. واليوم، تساهم دول السِلم الصاعدة في الحفاظ على حياة مليارات البشر، من خلال تمسكها بالحلول السياسية وسعيها لنزع فتيل الانفجارات في العالم.