«الجيوسياسة مقابل الجيواقتصاد: النظام الدولي الجديد»
إعداد: مالك موصللي إعداد: مالك موصللي

«الجيوسياسة مقابل الجيواقتصاد: النظام الدولي الجديد»

تحت هذا العنوان، كتب الباحث الاسترالي وخبير السياسات الدولية، مارك بيسون، مقاله البحثي في نشرة «NCNBC» الدورية، ليسلط الضوء على «ماهية النظام الدولي الجديد»، الذي يحمل، بحسب بيسون، كموناً أمريكياً واضحاً.

لا يمثل قرار دول أوروبية عدة الانضمام إلى البنك الآسيوي الجديد بقيادة الصين «AIIB»، إلا دليلاً آخر على ولادة نظام دولي جديد، باتت معه الولايات المتحدة الأمريكية قوة غير وحيدة في العالم، ومضطرة مع مؤسساتها الدولية إلى الاعتراف بالقوة الصينية، لا بل إلى الإعلان عن رغبتها بالتعاون مع البنك الآسيوي أيضاً!
استراليا: في أي الموقعين؟
لا يرتبط القرار الأوروبي بالانضمام إلى البنك الآسيوي ارتباطاً وثيقاً بالجيوسياسة والجيواقتصاد فحسب، بل سيكون هو الورقة الرابحة، في ظل غياب الإمكانية لشن الحروب التقليدية. في هذا الصدد، قد تكون أستراليا واحدة من آخر حلفاء أمريكا الذين ما زالوا يصدقون فكرة التمتع بـ«علاقات خاصة» مع الولايات المتحدة. لكن بالرغم من ذلك، فالدلائل تشير إلى أنه حتى صناع السياسة الأسترالية قد شرعوا بالتفكير أنه من الخطأ التضحية بالمصالح الوطنية من أجل هذا التحالف.
في النظام العالمي الجديد، فإن المؤسسات الدولية القديمة الخاضعة للسيطرة الأمريكية، لم تعد ذات فعالية، ولا هي بقادرة على معالجة المشكلات ذات الطابع العالمي، حيث باتت الدول في كل مكان تتطلع، بشكلٍّ متزايد، نحو القوى والمنظمات الإقليمية في حل مشاكل العمل بطريقة جماعية.
وعلى ضوء الهاجس الحالي من إرهابٍ وما يسمى بـ«التهديدات البينية»، فإن الحروب في الدول، وبين بعضها البعض، لا تزال نادرة واستثنائية، فحتى في شرق آسيا، التي يزداد فيها خطر الصراع بلا شك، لا تزال هذه الحروب غير محتملة.
«الشرق البعيد»
والصورة الدرامية
في مثل هذه الظروف، فإن الجيواقتصاد، أو الحرب التجارية حسب تعبير الاستراتيجي البروسي، كارل فون كلاوزفيتز، هي محور التركيز الرئيسي بين الدول المتنافسة. على هذا، فإن إنشاء «طريق الحرير» الجديد، الذي يربط بين الصين وجيرانها المباشرين، لن يحقق زيادة تدريجية في الإنتاج والتجارة الإقليمية فحسب، بل سيقف دائماً، كتعبير واضح جداً عن الأهمية المركزية للصين، في آسيا وما بعدها.
بناءً عليه، تدرك بريطانيا مثلاُ مدى الأهمية الاقتصادية القادمة من «الشرق البعيد»، وتدرك، كذلك، ما هي الكلفة التي ستترتب من جراء بقائها بعيدةً، مرة أخرى، عن منطقة تسود فيها الصين، وهذا يدلل أيضاً على الصورة الدرامية، التي باتت معها أمريكا منخفضة القدرة والتأثير في السياسات الخارجية، حتى لأقرب حلفائها الذي كان من الممكن الاعتماد عليه سابقاً. ولعل إصدار التقرير الأخير للمنتدى الاقتصادي العالمي يعطي تفسيراً لذلك، حيث يشير بلغة الأرقام والتخوفات إلى أن الخاسرين الحقيقيين من النظام الدولي الجديد هم المرتبطون بالمؤسسات العالمية المرتهنة للهيمنة الأمريكية.
التحدي أمام «الأقل تعصباً»
يمتلك البنك الآسيوي، وما سينتج عن دول «البريكس» لاحقاً، قواعد أيديولوجية هامة. فالكفاح من أجل تحديد المعايير والقواعد والممارسات التي ستحدد البيئة في الدول والشركات التي تعمل في القرن الواحد والعشرين، هي واحدةٌ من أهم مظاهر تزايد المنافسة الجيوسياسية.
هذا هو السبب في أن الولايات المتحدة الأمريكية قلقة إزاء هذا التطور المتنامي في قوة الصين على الساحة الدولية، وإلا لماذا تعترض واشنطن على إنشاء مؤسسة تهدف إلى توفير البنية التحتية في عددٍ من دول العالم حيث لا تزال الحاجة ماسة إليها؟
في المقابل، ليس هناك من شكّ بأن عدداً من الدول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ مرتبكة إزاء التطور المتنامي في القوة الصينية ونهوضها، هذا الارتباك ناتج عن صعوبة التحديد فيما لو كان تطور القوة الصينية يشكِّل لها أكثر من فرصة، أو أنه خطر منافس.
إن التحدي الذي يواجه هذه الدول الأقل تعصباً، لا يكمن فيما لو كان يمكنهم الاحتفاظ بدرجة ما من الاستقلالية السياسية، بل إذا كان من الممكن التوفيق بين الأهداف الجيوسياسية والجيواقتصادية المتنافرة أصلاً، هذا هو لغز السياسة الخارجية، حتى في أستراليا.
وليس من قبيل المصادفة ظهور الانقسامات داخل مجلس الوزراء الأسترالي حول الضرورات الجيوسياسية والجيواقتصادية لانضمام أستراليا إلى البنك الآسيوي. إذ إنه يؤشر على أن هذا النوع من النقاشات الإيجابية، يؤكد على أن تأثير الصين الجيوسياسي يكمن في كمون الطاقة الجيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت تعتمد على النوع الجديد من التهديدات، في ظل فشل التهديدات التقليدية على الأمن الوطني في دول العالم.