اليونان.. أوروبا.. والقرن غير الأمريكي
لا تعكس حالة الاهتمام الدولي المتصاعد بالقضية اليونانية اكتراثاً بالأزمة الداخلية في اليونان، بقدر ما تجسِّد انشغالاً بمستقبل الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، وتالياً بمنطقة اليورو ككل.
سمحت الحالة اليونانية بتبيان حجم التناقضات التي خلقتها سياسة الاتحاد الأوروبي- منذ نشأته بناءً على معاهدة «ماسترخت» عام 1992 وحتى يومنا هذا- بين دول الأطراف ودول المركز الأوروبي الآخذة بالإثراء على حساب الأولى، لتبداً التحليلات من داخل المؤسسات الأوروبية تتحدث عن انهيارٍ حتمي سيلاقيه الاتحاد.
عليه، تتضح ماهية التجاذبات الحاصلة بين اليونان، التي تمثل إحدى أكثر دول الأطراف تأزماً، والاتحاد الأوروبي الذي بات يعلن أنه «غير مستعد للإبقاء على اليونان في منطقة اليورو بأي ثمن، على الرغم من أن خروجها سيلحق ضرراً كبيراً بالعملة الأوروبية». في الواقع، إن هذه التصريحات، التي غالباً ما تخرج عن ممثلين تابعين للاتحاد كمؤسسة، لا تعكس حالة التباين التي تعتري دوله، حيث يسعى بعضها للانضواء في المؤسسات البديلة التابعة إلى الدول المناهضة للهيمنة الأمريكية، والتي لم تكن الجولة الأخيرة منها انضمام كلٌّ من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا إلى «بنك التنمية الجديد» بقيادة الصين، والذي يشكل أكبر منافس للبنك الدولي والبنك المركزي الأوروبي، بما يمثلانه من مصالح أمريكية.
ارتبط ظهور الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية، في بادئ الأمر، بالظروف التي خلقتها الحرب الباردة، وصولاً إلى الإعلان عن تشكيله بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وظهور أمريكا كقوة سائدة دولياً، بما يتطلبه ذلك من حاجة لخلق مؤسسات اقتصادية وعسكرية تشكل غطاءً وسنداً لأمريكا في صراعاتها وحروبها حول العالم، فتارةً يجري الاعتماد على المؤسسات الاقتصادية الأوروبية لفرض العقوبات على الدول المناوئة لأمريكا، وتارة كان يوكل للمؤسسات العسكرية ذات الثقل الأوروبي الفاعل، مهمة التغطية على الحروب الأمريكية، كما جرى في تسعينيات القرن الماضي عندما اقتضت الحاجة الأمريكية الإجهاز على الدولة اليوغسلافية.
أما الآن، فلا ينتمي القرن الحالي- بالإحداثيات الجديدة لميزان القوى الدولي المتشكل- إلى الولايات المتحدة، ولم تعد دول الاتحاد الأوروبي قادرة على لعب دور البديل الذي تريده أمريكا في تصرفاتها أحادية الجانب. لعلَّ ذلك ما يفسر انضواء الأوروبيين في «بنك التنمية»، وقيام الرئيس اليوناني، أليكسيس تسيبراس، بتقريب موعد زيارته إلى روسيا من أيار إلى نيسان المقبل، لمناقشة الصعوبات الاقتصادية والمالية في بلاده التي قد تواجه خطر نفاذ السيولة المالية خلال الأسابيع القليلة القادمة، بعد أن جمد الاتحاد الأوروبي مساعداته، لإجبارها على تنفيذ «الإصلاحات» المطلوبة منها.