الحل اليساري طريق الشعب للخلاص

مرَّ العراق منذ انتصار ثورة 14 تموز 1958 الوطنية التحررية بثلاث مراحل سياسية: امتدت المرحلة الأولى منها خمس سنوات تقريباً، أما الثانية فأربعون عاماً (منذ انقلاب 8/2/1963حتى 9/4/2003)، فيما تجاوزت الثالثة العشر سنوات، وما تزال مستمرة منذ 2003 حتى يومنا هذا. وتصنف أنظمة الحكم خلال المراحل الثلاث على التوالي: يسار وطني ثم قومي عربي وراهناً مفرزات الغزو الأمريكي من تحاصص طائفي واثني.

إذا كانت المرحلتان الأخيرتان تتشابهان من حيث حجم الكوارث التي حلَّت بالشعب والوطن على أيديهما، من حروبٍ تدميرية داخلية وخارجية وتفريطٍ بالسيادة الوطنية العراقية وتبعيةٍ لقوى إقليمية ودولية وحصارٍ وجوع طويلين ومقابر جماعية وملايين القتلى والمعوقين والمهجرين وقمع واغتصاب واغتيال واختطاف، فضلاً عن البطالة، وانعدام الخدمات الأساسية، فقد تميزت المرحلة الأولى التي تمخضت عن انتصار ثورة 14 تموز 1958 المجيدة، التي يطلق عليها أعداء الشعب العراقي من المستعمرين والإمبرياليين والرجعيين، تسمية مرحلة المد الأحمر، في إشارة إلى تبوئ الشخصية العسكرية الوطنية اليسارية المستقلة- الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ورفاقه العسكريين اليساريين- للحكم، بدعمٍ جماهيري واسع يتصدره الحزب الشيوعي العراقي بقيادة الرفيق الشهيد سلام عادل قائد الحزب،
وتمثَّل تميزها بتحقيق منجزات طبقية ووطنية كبرى للشعب والوطن، رغم قصر فترة حكمها، متجسدةً بالتحرر من الاستعمار البريطاني وتحقيق الاستقلال الوطني، حيث أسقطت النظام الملكي الرجعي العميل وأقامت جمهورية وطنية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة، انتزعت السلطة من أيدي الإقطاعيين وحلفائهم من كبار البرجوازيين والبيروقراطيين ووضعتها في أيدي الشعب عبر الكتلة العسكرية اليسارية الوطنية المدعومة من اليسار العراقي ممثلاً بالحزب الشيوعي آنذاك.
كذلك، فقد قوضت الهيمنة العسكرية والسياسية للاستعمار بالانسحاب من منظمة «حلف بغداد» وإلغاء الاتفاقية الثنائية مع كل من بريطانيا وأمريكا، وتحرير العملة العراقية من قيود الجنيه الإسترليني، عدا عن أنها استرجعت أراضي الامتيازات النفطية التي كانت تغطي كل مساحات العراق تقريباً وتحتكرها شركات النفط الاحتكارية «ABC». كما كان قانون الإصلاح الزراعي خطوة وطنية وتقدمية هامة.
في الوقت نفسه، فسحت الثورة المجال أمام التطور الصناعي والاقتصادي والصحي والتعليمي في البلاد، تحت راية الدفاع عن الجمهورية ضد أعدائها وتطوير الثورة وتحقيق المطامح المشروعة للشغيلة والكادحين وكافة الفئات الشعبية من نقابات العمال وجمعيات الفلاحين واتحاد الطلبة واتحاد الشبيبة ورابطة الدفاع عن حقوق المرآة. كما تشكلت فرق المقاومة الشعبية البطلة، وظهرت إلى العلن الصحافة الديمقراطية الثورية والشيوعية. وانتزع العمال حقوقاً اقتصادية مغتصبة من أرباب العمل منذ سنين طويلة، وتحققت مكتسبات هامة بالنسبة للمرآة بسن قانون الأحوال الشخصية. وتمتع الكادحون لأول مرة بحرياتهم واسترجعوا كرامتهم التي سحقها الاستعماريون والإقطاعيون والبرجوازيون الرجعيون دهراً طويلاً. ورفعوا رؤوسهم عالياً على مضطهديهم ومستغليهم، بينما فضح خونة الشعب والجلادون والعملاء الرجعيون، فتذوق الشعب الكادح سعادة العهد الظافر.
كما أطلقت الثورة طاقات الجماهير للدفاع عن المنجزات الوطنية اليسارية، فقد كتبت الرفيقة ثمينة ناجي يوسف، زوجة ورفيقة الشهيد سلام عادل بهذا الشأن: «إن أوسع اشتراك للجماهير وخاصة العمال والفلاحين وهم الغالبية الساحقة، كان عاملاً رئيسياً في إفشال خطط الاستعمار وعملائه في إجهاض الثورة».
ذلك كله جرى في ظل إقامة علاقات التمثيل الدبلوماسي والصداقة والتعاون المتبادل في المجالات الاقتصادية والثقافية مع الاتحاد السوفياتي، واتباع سياسة التعاضد والتضامن مع حركة التحرر العربي والعالمي. إذن، تبين تجربة الشعب العراقي نفسه، أن الحل اليساري هو طريق الشعب للخلاص من الكارثة واستعادة الوطن المستباح، وأنه الوحيد الذي كان على مستوى طموحات الشعب الوطنية.

* منسق التيار اليساري الوطني العراقي