«موسكو ـ القاهرة» على سكة الواقع الدولي الجديد

«موسكو ـ القاهرة» على سكة الواقع الدولي الجديد

حملت زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى مصر منتصف الأسبوع الماضي، تحريكاً لعددٍ من الاتفاقيات والتعاون المشترك بين البلدين. مما يفتح الباب أمام مصر لتحقيق خروج مأمول من تحت العباءة الأمريكية- الخليجية وقيودها الضاغطة.

أكثر من لقاء مشترك هي المباحثات التي جرت في القاهرة بين الرئيسين الروسي والمصري. أهمية الاتفاقات الموقعة بين الطرفين، وتلك التي تم نقاشها والتأسيس لإبرامها لاحقاً، فضلاً عن زيادة التقارب بين رؤى البلدين على المستوى الخارجي، يجعلان من الزيارة تاريخيةً لجهة تأثيراتها على المستوى الدولي والإقليمي.
ماذا تريد روسيا؟ وماذا تريد مصر؟
تسعى روسيا إلى جعل مصر شريكاً موثوقاً يساعد على حل المشاكل الرئيسة التي تؤرق المنطقة، لا سيما مشاكل الأمن في سورية وليبيا واليمن. أما مصر المثقلة بعبء الأمريكيين الداعمين سراً وعلانيةً لجماعة «الإخوان المسلمين»، والذين يمانعون عودة مصر إلى واجهة الدول الإقليمية في المنطقة، فهي تنتظر من روسيا الكثير.
«روسيا فعلت كثيراً من أجل مصر، ونحن نؤمن بها» يقول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ويضيف في حديثٍ مع الصحافة: «الشعب المصري يقيم عالياً خطوات روسيا، التي قدمت دعماً لمصر في الوقت المناسب، بما في ذلك المشروعات التي قد تم تحقيقها، لاسيما السد العالي بأسوان ومصانع النسيج ومعمل للأشغال المعدنية، ناهيك عن المساعدة العسكرية، فإن هذا الدعم يبقى في ذاكرة المصريين». هذه التصريحات التي أطلقها السيسي قبيل الزيارة جاءت كمؤشر على ما تأمله مصر التي تبحث عن شريك دولي لا عن قوة دولية تهيمن على سيادة مصر.
مكافحة الإرهاب
خلافاً للطريقة الأمريكية
قبل الزيارة، أدمى تصعيدٌ أمنيٌ كبير أمان مصر، حيث شهدت عدة مدن مصرية عمليات إرهابية أخذت تتصاعد منذ بداية هذا الشهر، لا سيما في سيناء التي كانت حاضرة على ولادة مجموعة «أنصار بيت المقدس»، الفصيل «الداعشي» الجديد.
في هذا السياق، كانت موضوعة الإرهاب حاضرة في كلمة الرئيس بوتين خلال مؤتمر صحفي مشترك جمعه مع نظيره المصري، حيث جدَّد «عزم البلدين على تكثيف جهودهما في مواجهة الإرهاب»، هذا الإرهاب الذي تكبدت مصر حصة وافرةً منه بدا أنه دفعها إلى الالتحاق بركب الطريقة الروسية الساعية إلى اجتثاثه من جذوره الحقيقية وتجفيف منابعه، لا تقويته كما يقوم «التحالف الدولي» الآن. ولربما رفض مصر الانضمام إلى هذا «التحالف» سابقاً، يؤكد على وحدة المصالح، وبالتالي المواقف السياسية، بين مصر وروسيا.
تعاون في جميع المجالات
«بإمكان روسيا، ليس فقط بناء محطة طاقة نووية في مصر، وإنما تدشين قطاع نووي متكامل وإعداد كوادر وتطوير مؤسسات علمية وغيرها من الإجراءات»، بهذه الكلمات، اختار الرئيس بوتين أن يؤكد على جدية روسيا في المضي قدماً بدعم البنية التحتية المصرية. وهذا ما أكدته بالفعل الاتفاقات الموقعة بين الطرفين خلال الزيارة. في رأس القائمة، يأتي الاتفاق المبدئي لإنشاء محطة كهروذرية في موقع الضبعة على ساحل المتوسط، وذلك بهدف توليد الطاقة الكهربائية، حيث يفترض مشروع المحطة إنشاء أربعة مفاعلات نووية طاقة كلٍ منها 1.2 ميغا وات.
كذلك ينتظر البلدان آفاقاً واسعة للتعاون في المجال الفضائي والاستخدام المشترك لمنظومة «غلوناس» الروسية للتموضع عبر الأقمار الاصطناعية. فضلاً عن تطوير مشروعات استثمارية في مجالات البنية التحتية والنقل وصناعة الآلات والصناعة الكيميائية. ففي هذا الجانب، يعتزم البلدان إنشاء منطقة للتجارة الحرة بينهما، وبناء مستودعات ضخمة لتخزين الحبوب بطاقة 8 ملايين طن في أحد الموانئ المصرية على المتوسط.
وفي وقتٍ بحث فيه الطرفان إمكانية التعامل بعملات البلدين من دون استخدام الدولار الأمريكي، رجّح سيرغي ديميدينكو، الخبير الاقتصادي من مدرسة «الاقتصاد العليا» الروسية، أن يساهم الانتقال إلى استخدام العملات المحلية في الحسابات التجارية بين مصر وروسيا إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما بحدود 10% إلى 15% خلال العام الجاري.
في الواقع، بيَّنت الاتفاقات المبرمة ومنطق عقدها أن الطرفين كليهما يوسعان مجال تعاونهما انطلاقاً من الإحساس بالخطر الأمريكي المتربص ببلادهما. ففيما تعمق روسيا علاقتها مع مصر من منطلق تجميع القوى المتضررة من الهيمنة الأمريكية والغربية، تسعى مصر إلى الخلاص من القيود الملتفة حول عنقها، لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والأمني.