اتفاق مينسك: تصعيد والتفاف وانتصار

اتفاق مينسك: تصعيد والتفاف وانتصار

أسدل الستار أخيراً عن اتفاقٍ سياسي قد يضع حداً للصراع المسلَّح في مناطق شرق أوكرانيا. وفيما بدا أن الاتفاق قد شكل انتصاراً للطرح الروسي الساعي إلى تغليب الحل السياسي على حساب المحاولات الأمريكية لفرض تصعيد عسكري على تخوم روسيا، يبدو أن انعطافاً أوروبياً قد أخذ بالتبلور.

بعد أسبوعٍ من المشاورات الدبلوماسية بين دول رباعية «النورماندي»- روسيا وألمانيا وفرنسا وأوكرانيا- جرى الاتفاق أخيراً على بنودٍ سيتم من خلالها تسوية الصراع في شرق أوكرانيا بالطرق السلمية. حيث يلزم الاتفاق، الذي جرى توقيعه يوم الخميس 12/2/2015، طرفي الصراع الأوكراني بوقفٍ فوري وشامل لإطلاق النار في دونيتسك ولوغانسك اعتباراً من يوم الأحد 15/2/2015، وسحبٍ للأسلحة الثقيلة إلى خارج المنطقة الأمنية التي تم الاتفاق على أن تكون بعرض 50 كيلو متر بمهلةٍ أقصاها 14 يوماً من توقيع الاتفاق.
كذلك، سيفتح الاتفاق الباب أمام حوارٍ في أوكرانيا حول شكل إجراء الانتخابات المحلية والنظام المستقبلي لمناطق دونيتسك ولوغانسك. على أن يجري إطلاق سراح الأسرى والموقوفين على قاعدة «الجميع مقابل الجميع» خلال خمسة أيام من تاريخ سحب الأسلحة الثقيلة.
يأتي ذلك التقدم لنهج الحلول السياسية بعد محاولات أمريكية واضحة لتهديد الحدود الغربية لروسيا تحت غطاء حلف «الناتو». محاولة التصعيد الأمريكية كانت قد تجسدت في إعلان قائد القوات البرية للولايات المتحدة في أوروبا، بين هوجز، إرسال ما سماهم «مراقبين عسكريين» إلى دول إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وبلغاريا، بهدف «دراسة وتحديد مواقع إضافية في أوروبا الشرقية»، لنشر الطائرات المقاتلة والدبابات وغيرها من الآليات والمعدات الحربية، التابعة للحلف. وبالفعل كانت قد دفعت الولايات المتحدة وكندا وعدداً من الدول الأوروبية بتجهيزات عسكرية إلى دول شرق أوروبا المحاذية للحدود الروسية، فيما استضافت ليتوانيا الحصة الأكبر من هذه التجهيزات.
سياسياً، خطا الأوروبيون خطوة واضحة باتجاهاتٍ مغايرة لما ساقوه سابقاً حول الأزمة الأوكرانية، هذا ما يجب الالتفات إليه وترقبه خلال الفترة المقبلة التي قد تشهد نوعاً من الافتراق الأمريكي الأوروبي، انطلاقاً من عامل المصلحة التي لم تعد دول المركز الأوروبي قادرة على التغاضي عنه.