صرخة احتجاج في وحدة النخبة! (1/2)
استندت الحركة الصهيونية في مشروع غزوها لفلسطين العربية على السياسة الإمبريالية البريطانية التي سهلت وصول أعداد متتالية من يهود العالم لفرض واقع بشري على الأرض، وعلى أنظمة عربية خاضعة للهيمنة الاستعمارية، وعلى التشكيلات المسلحة (عصابات الأرغون وشتيرن وسواها) في عمليات الاغتيال لقادة بارزين في المجتمع العربي، ولمسؤولين دوليين، وفي الإعدام الجماعي والمذابح لأبناء البلد بهدف إفراغ الأرض من أصحابها، قتلاً وتهجيراً، من أجل إحلال الغزاة القادمين من قارات العالم المختلفة مكان السكان الأصليين.
محمد العبدالله
بعد الإعلان الرسمي عن تأسيس الكيان/الثكنة، على جماجم وأشلاء ودماء المواطنين العرب في آيار/مايو 1948، تحولت تلك العصابات الفاشية المسلحة لتصبح نواة للجيش، ولتبدأ حكومة العدو المحتل بسنواتها الأولى العمل على إنشاء أجهزة أمنية متخصصة ذات مهمات محددة. لذلك، بدأت تظهر الأجهزة الإستخبارية الثلاثة وهي جهاز الاستخبارات الخارجية "الموساد" الذي برزت شهرته عالمياً بعد عمليات الاغتيال والتصفية لعدد من المناضلين الفلسطينيين والعرب والأمميين في بلدان عديدة، وجهاز المخابرات الداخلية" الشاباك"، وشعبة الاستخبارات العسكرية "امان" التي تحملت بشكل أساسي كل ما يتعلق بالأنشطة التجسسية وتزويد مراكز القرار السياسية والعسكرية بالمعلومات التي تحصل عليها.
منذ ثلاثة عقود، أنشأ جهاز "أمان" قسماً متخصصاً/احترافياً، في مجال التجسس الإلكتروني، أطلق عليه اسم" الوحدة 8200". هذه الوحدة التي أصبحت كل عائلة تحلم بأن يكون ابنها أو ابنتها في صفوف تشكيلاتها لاعتبارت تتعلق ببعدها عن ساحة المعارك/ الاشتباك المباشر، ولأن من تنتهي خدمته فيها يعمل في مجال "الهاي تك"، وشركات صناعة الأجهزة التكنولوجية التي تدخل في عالم الحاسوب.
الجنرال المتقاعد "اوري ساغيه"، الرئيس السابق لجهاز "امان" اعترف بوجود مثل هذه الوحدة، التي اعتبرها «من أهم الوحدات الاستخبارية في الدولة العبرية»، كاشفاً بالوقت ذاته عن بعض أهداف الجهاز الذي ترأسه «المساهمة في تقديم رؤية استخبارية متكاملة مع المعلومات التي توفرها المصادر البشرية القائمة على العملاء». لهذا تركز العمل في هذا المجال على: الرصد، التنصت، التصوير(الأفراد، التجمعات البشرية، والمدن)، تحديد بنك الأهداف، وتجنيد العملاء. ولهذا فإن كل الاتصالات التي تتم عبر محطة (أورانيم) المقامة منذ أكثر من أربعة عقود في منطقة "النقب" جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، يجري تصنيفها وتحليلها في الوحدة 8200، وتعتبر هذه المحطة من أكبر مراكز الرصد والتنصت عالمياً.
الرسالة المتفجرة
في الحادي عشر من الشهر الحالي "أيلول/ سبتمبر" بعث 43 جندياً ومجندة ممن خدموا في الوحدة 8200 "قوات الاحتياط" رسالة إلى كل من رئيس الوزراء "نتنياهو" ورئيس الأركان "بني غانتس" ورئيس الاستخبارات العسكرية "آفيف كوخافي" يعلنون فيها:«رفضهم الخدمة في سلاح الاستخبارات لكونه جزءاً لا يتجزأ من السيطرة العسكرية على المناطق -الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام67- وأنه لا توجد رقابة على كيفية جمع المعلومات الاستخبارية ولا على كيفية استخدامها ضد الفلسطينيين. عندما انضممنا إلى الوحدة 8200 كنا ننوي الدفاع عن أمن إسرائيل وحمايتها، غير أننا اكتشفنا اختلافاً في الهدف، فاكتشفنا من خلال عملنا، أن الهدف الرئيس هو ترسيخ الاحتلال للفلسطينيين، وليس للدفاع عن أمن إسرائيل، إن جمع المعلومات عن الفلسطينيين مؤذٍ للأبرياء، يُستخدم وسيلة لابتزازهم، وينتهك خصوصيتهم، ومن أجل المطاردة السياسية، وزرع الفرقة داخل المجتمع الفلسطيني بواسطة تجنيد المتعاونين، وتحريض جزء من المجتمع الفلسطيني ضد نفسه. لذا، فإننا، نحن الموقعين أدناه، غير قادرين على مواصلة هذا العمل، ونعلن رفضنا الخدمة في جهاز يلحق الأذى بمليوني شخص». ومن بين الموقعين على الرسالة ضابط برتبة رائد وضابطان برتبة رقيب في الاحتياط وعناصر استخبارية أخرى بينهم ضباط قاموا بمهمات في فرق استخبارية.
لا أخلاق لدى المحتل
صحيفة "مديل ايست آي" "الإسرائيلية" نشرت تقريراً في عددها الصادر يوم الثلاثاء 16/9 كشفت فيه عن شهادات لـبعض الجنود والمجندات الذين وقعوا على الرسالة/الموقف من الوحدة 8200، التي تعتبر من أهم وأخطر الأجهزة في استخبارات العدو، عن كيفية تجنيد العملاء وتوريطهم عبر الابتزاز لتقديم المعلومات: «إذا كنت شاذاً جنسياً وتعرف أحدا ما يعرف شخصاً آخر مطلوب لدى الجيش "الإسرائيلي"، فإن المخابرات "الإسرائيلية" سوف تجعل حياتك بائسة، وإذا كنت بحاجة إلى علاج طارئ في المستشفيات "الإسرائيلية" أو في الخارج فسوف تبحث عنك المخابرات وستتركك تموت قبل أن تسمح لك بالسفر للعلاج إلا إذا أدليت بمعلومات عن ابن عمك المطلوب لديها، حتى وإن كنت شخصاً ليس لك علاقة بأي عمل عدائي لكنك تثير اهتمام الوحدة 8200 فسوف تكون مستهدفا كذلك».
وذكرت الصحيفة في تقريرها: «إن الوحدة 8200 التي عمل فيها سابقا الجندي الذي كتب هذه الشهادة ليست مجرد أي وحدة في الجيش، فسابقا كانت الوحدة مسؤولة عن تجميع معلومات استخباراتية عن الإشارات الخاصة بالاتصالات، ثم أصبحت أكبر وأرقى وحدة في الجيش "الإسرائيلي"».
وأضاف التقرير:«لدى الوحدة قدرة على مراقبة جميع الاتصالات الهاتفية أو المعلومات الإلكترونية في أي بقعة في الشرق الأوسط وربما أبعد من ذلك، وكذلك تخزين هذا الكم الهائل من المعلومات ومعالجته بطريقة متطورة للغاية بحيث يمكن استخدامها لإجراءات عسكرية دقيقة، من ضرب موقع سري في سورية لعمليات القتل المستهدف في قطاع غزة».
إحدى المجندات الرافضات للخدمة قالت:« كنتُ شاهدةً على عملية اغتيال خاطئة، فقد جرى تشخيص الهدف بصورة غير دقيقة، مما أدى إلى قتل طفل بريء». مجند آخر يقول في شهادته:«إن ما نجمعه من معلومات غير أخلاقي، مثل المعلومات المتعلقة بالأزمة المالية للشخص، ومغامراته الجنسية والعاطفية، ومرضه، وعلاجه، كل هذه المعلومات تحولهم إلى عملاء».