فلسطين.. سقطت مقولات الهزيمة وارتقى النصر

فلسطين.. سقطت مقولات الهزيمة وارتقى النصر

خمسون يوماً قضاها أبطال المقاومة الفلسطينية، بكلِّ فصائلهم وتشكيلاتهم العسكرية، قابضين بيدٍ واحدة على الزناد، فارضين على جنرالات الحرب الصهانية العودة وجرّ أذيال الخيبة. خمسون يوماً عجزت فيهم قاعدة أمريكا المتقدمة عن ثني المقاومة عن إطلاق صواريخها لتهز هدوء الكيان، ولترسم نصراً للفلسطينيين وقوى التحرر والمقاومة في العالم.

لم يكد يعلن عن نص الاتفاق بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، وعن وقف إطلاق النار من دون أن يحقق العدو أياً من أهدافه التي وضعها قبل فتح المعركة في قطاع غزة، حتى خرج الغزاويون وسائر الفلسطينيين في الداخل والخارج احتفالاً بالنصر المؤزر الذي حققته المقاومة ضد آلة الحرب الصهيونية.

اتفاقات سريعة وأخرى مسقوفة زمنياً

خلصت المفاوضات غير المباشرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الصهيوني، والتي جرت على مدار أسابيع في القاهرة، إلى اتفاق الطرفين على التعامل مع القضايا الأكثر تعقيداً، والتي هي محور خلاف بينهما، بما في ذلك الإفراج عن سجناء فلسطينيين، ومطالب غزة بميناء عبر محادثات أخرى غير مباشرة مسقوفة زمنياً لتبدأ في غضون شهر واحد. على أن يُباشر ببعض الخطوات الفورية المتمثلة بموافقة المقاومة الفلسطينية على وقف إطلاق الصواريخ على «إسرائيل»، وإيقاف الكيان الصهيوني لكل العمليات العسكرية، بما في ذلك الضربات الجوية والعمليات البرية، وفتح «إسرائيل» المزيد من المعابر الحدودية مع غزة، للسماح بتدفق أيسر للبضائع بما في ذلك المعونة الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع. فيما توافق مصر، في إطار اتفاق ثنائي منفصل، على فتح معبر رفح على حدودها مع غزة. كما تتولى السلطة الفلسطينية تسلم مسؤولية إدارة حدود غزة وقيادة تنسيق جهود إعادة الإعمار في غزة مع المانحين الدوليين. وسيكون على العدو، بموجب الاتفاق أن يضيق المنطقة الأمنية العازلة داخل حدود قطاع غزة من 300 متر إلى 100 متر، إذا صمدت الهدنة، حيث تسمح هذه الخطوة للفلسطينيين بالوصول إلى مزيد من الأراضي الزراعية قرب الحدود. وأن يوسع نطاق الصيد البحري قبالة ساحل غزة إلى ستة أميال، بدلاً من ثلاثة أميال، مع احتمال توسيعه تدريجياً إذا صمدت الهدنة.
أما النقاط بعيدة المدى، والتي سيتم التفاوض حولها بعد شهر. فتتجسد في الإفراج عن مئات الفلسطينيين الذين اعتقلوا في الضفة الغربية عقب خطف وقتل ثلاثة مستوطنين صهاينة في شهر حزيران، والإفراج عن قدامى المعتقلين الفلسطينيين الذين أسقطت فكرة الإفراج عنهم، بعد انهيار «محادثات السلام» بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وبناء ميناء بحري في غزة يسمح بنقل البضائع والبشر إلى القطاع ومنه، والإفراج عن أموال تسمح للفلسطينيين بدفع أجور 40 ألفاً من رجال الشرطة والموظفين الحكوميين وغيرهم من العاملين الإداريين، وإعادة بناء مطار ياسر عرفات في غزة الذي افتتح عام 1998 ولكن أغلق عام 2000 بعد أن قصف. على أن تبادر المقاومة الفلسطينية إلى تسليم الاحتلال أشلاء جنوده القتلى ومتعلقاتهم.

فلسطين تنتصر... والصهاينة إلى لجان

ما إن أعلن عن الاتفاق، من دون أن يحقق العدو أهدافه، حتى خرج الآلاف من الفلسطينيين للاحتفال في ساحات اقطاع غزة خصوصاً، وفي الأراضي الفلسطينية عموماً. ولم تسلم الاحتفالات داخل أراضي المحتلة عام 1948 من تضييقات حاول جيش الاحتلال فرضها على المحتفلين، ففي القدس خرجت مظاهرات للاحتفال بالنصر في أحياء بيت حنينا وشعفاط والطور، قبل أن تتحول الاحتفالات إلى مواجهات مع قوات الاحتلال التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع والأعيرة المطاطية. كما اندلعت اشتباكات في حي وادي الجوز بعد انتشار فرقة مشاة صهيونية في أحد شوارع الحي ملقية القنابل الصوتية والأعيرة المطاطية على المحتفلين، فيما شهد حي عين اللوزة ببلدة سلوان مواجهات مماثلة.
في المقابل، يستعد الصهاينة لإنشاء لجان التحقيق للوقوف عند الفشل الصهيوني في الحرب على غزة، والتي سيجري تشكيلها، لتتناول العديد من المسائل، بعضها سيعلن عنه، والبعض الآخر سيبقى سرياً داخل حكومة الكيان، حيث أن الفشل يتعلق بعدم قدرة أجهزة الاستخبارات على توفير المعلومات المتجددة خلال مراحل العدوان. ووفق استطلاعٍ نشرته القناة العبرية الثانية فإن 80% من الصهاينة غاضبون من أداء رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، و90% من «الإسرائيليين» غير راضين عن الاتفاق.

تصريحات قادة فصائل المقاومة: انتصرنا

عقب الانتصار، ألقت الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية «بيان النصر الموحَّد»، في احتفالٍ شعبي بحي الشجاعية شرق قطاع غزة، مؤكدةً أنه سيقال «الكثير في نتائج ودلالات ومعاني هذه المعركة على القضية الفلسطينية وعلى مسار مشروع التحرير وعلى المنطقة والإقليم وعلى معادلات التحالفات وموازين القوى وقواعد العمل السياسي والدبلوماسي في العالم، ولكننا سنقف عند المعنى الأبرز الذي بات واضحاً للجميع، وهو صورة الوحدة الفلسطينية العظيمة من خلف المقاومة».
وشدد أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس»: «انتصرت غزة ومقاومتها، لأنها أظهرت هشاشة المنظومة الأمنية والاستخبارية للمحتل الذي طالما تغنّى ببنك الأهداف الدقيق المزعوم، فإذا ببنك أهداف يعلون هو متنزهات الأطفال ومساكن الآمنين المدنيين الأبرياء، ومدارس الأونروا والمساجد والمستشفيات والمرافق المدنية، بينما كان بنك أهداف المقاومة: ضباط نخبة الجيش الصهيوني، ودبابات الميركافاه، والمواقع العسكرية والجنود والآليات والمطارات العسكرية».
وحول الدور المصري، أكد سامي أبو زهري، الناطق باسم حركة «حماس»، أن دور مصر أساسي وتاريخي في دعم القضية الفلسطينية: «نحن حريصون على الحفاظ على الدور المصري كدور أساسي في دعم القضية الفلسطينية، وإننا رحبنا منذ البداية بالدور المصري في التوصل الى اتفاق التهدئة واتجهنا إلى القاهرة لتحقيق ذلك، ونعتبر أن هذه النهاية هي نهاية جيدة وتحافظ على دور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينية».
وكان الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، محمد رمضان شلح، قد أكد في مؤتمرٍ صحفي عقب الانتصار: «في أي معركة قادمة لا نملك سوى خيار الانتصار، والمقاومة قالت للعالم كله إن فلسطين غير قابلة للنسيان، والجريمة التي ارتكبت بحقها غير قابلة للغفران». ولفت إلى أن «من كان يراهن على السلام مع العدو فهم اليوم أنه ليس أمامنا خيار معه سوى النار، واتفاق أوسلو اللعين دفنته الطائرات الحربية الصهيونية مع الركام في غزة». مؤكداً شكره لكل من وقف إلى جانب القضية الفلسطينية، وفصائلها في الصمود بوجه العدوان: «نتوجه بالشكر لكل من وقف معنا وأخص بالذكر شعوب أمريكا اللاتينية».

«تحية إلى الإعلام المقاوم»

في السياق، أعرب الرفيق أبو أحمد فؤاد، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في مؤتمر صحفي حمل عنوان «تحية إلى الإعلام المقاوم»، دُعيت إليه وسائل الإعلام العاملة في سورية، ومن بينها «قاسيون» وموقعها الإلكتروني الناطقين باسم حزب الإرادة الشعبية، عن تقدير الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لجهود الإعلاميين الذين واكبوا يوميات العدوان والصمود المقابل، مشدداً على دور الإعلام المقاوم في صنع الانتصار.
وأكد فؤاد على ضرورة تثبيت حقيقة أن العدوان الصهيوني كان يستهدف الشعب الفلسطيني برمته وليس حركة «حماس» فحسب كما يشاع في وسائل الإعلام الدولية السائدة والتابعة لها، وأن ذاك العدوان كان يستهدف القضاء على الشعب الفلسطيني وفرض الاستسلام عليه وتصفية حقوقه، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
وفي المقابل، نبه الرفيق فؤاد إلى أهمية عدم تصديق بعض الروايات المنتشرة من أن العدو الصهيوني قد يتصرف من تلقاء نفسه بعيداً عن الضوء الأخضر الأمريكي، فواشنطن هي التي قررت العدوان.