الانتخابات الامريكية
تعمل الحملات الانتخابية على الاستفادة من الإعلام في بُعد التغطية الشاملة، وكذلك في بُعد المدونات الالكترونية المؤيدة والنشرات الأخرى. أما التركيز على الوسائل الإعلامية التقليدية فيرمي إلى كسب المستقلين والمستائين من أداء الحزب المنافس. باستطاعتنا هنا رصد الجهود العالية المبذولة من كلا المرشحيْن، اوباما ورومني، لاضفاء لمسة حميمية على حملتيهما بغية كسب الناخبين المترددين بدل الخوض في عناصر وآليات البرامج السياسية.
يركز الطرفان جهودهما على استغلال الوسائل الإعلامية المناصرة للترويج للسياسات والانجازات (في حال الرئيس اوباما) وقضايا تسهم في شحن جمهورهما لإقناع الطرف الآخر بأحقية وجهة نظره. كما يرمي الطرفان إلى انتشار تلك القضايا عبر الوسائل ووسائط الاتصال الالكترونية لحشد القوى المترددة عبر صداقاتها الاجتماعية. الأمر الذي يفسر بعض الشيء تركيز الحملتين على المدونات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك مثلا، أكثر من أي زمن مضى، لما لتلك الوسائط من ميزات التواصل مع أعداد كبيرة من الأفراد في فترة زمنية قصيرة.
تجدر الإشارة إلى أن كل ما تنشره وسائل الإعلام التقليدية ليس مرحباً به بالضرورة من حملتي الانتخاب. على سبيل المثال، تعاني حملة المرشح رومني من تقديم تفسيرات مقنعة لمسألة حصة رومني من الضرائب، التي تتقزم أمام حصة الطبقة الوسطى الأقل ثراء؛ أما حملة الرئيس اوباما فيتعين عليها مواجهة سيل الانتقادات حول الأداء البائس للاقتصاد. عند منعطف كهذا، تبرز أهمية الحملات الإعلامية مدفوعة الأجر، والتي تستهلك الكم الأكبر من الموارد المالية في حملات الانتخابات الرئاسية.
ينضوي تحت وسائل الإعلام مدفوعة الأجر الصحافة المطبوعة وحملات الاتصال الهاتفية المكثفة وسيل من الإعلانات في محطات التلفزة والراديو تم دراستها بعناية فائقة لاستمالة أكبر عدد من الناخبين ممن تتجاوزهم الحملات الإعلامية التقليدية، وحثهم على ممارسة حقهم بالتصويت، ومن ثم التصويت لمرشحها المعني.
مما لا شك فيه أن هذا النمط من التغطية الإعلامية باهظ التكلفة، نظرا لطول مدة الحملة الانتخابية واتساع الرقعة الجغرافية والتوزع الديموغرافي. على سبيل المثال، تبلغ تكلفة رسالة عادية بالبريد التقليدي نحو دولار واحد أو أكثر، مقارنة مع سهولة إيصال الرسائل الالكترونية إلى عدة مئات من الملايين لكلا المرشحين. كما أن فقرة دعاية سياسية تبثها الوسائل التقليدية تصل تكلفتها إلى مئات الآلاف من الدولارات لمدة لا تتعدى 30 ثانية. مؤسسات استطلاع الرأي العام وتوابعها تشير إلى أن معدل نصيب الفرد تلقي نحو 7 إعلانات قبل إثارة انتباهه لمحتواها.
نظرا لطبيعة الجغرافيا المتناثرة للولايات المتحدة، وتوفر بضع مئات من محطات التلفزة وما يعادلها أو يفوق من محطات الراديو والصحف والمجلات، فإن حملات الدعاية المنسقة تصبح باهظة الثمن لمجرد السعي للفت انتباه الناخب لأحد المرشحين أو كلاهما معا. تتميز الأسابيع القليلة قبل موعد الانتخابات بفرط الصرف المادي لكلا المرشحين على الدعاية الانتخابية، والتي تصل تكلفتها لعشرات الملايين من الدولارات أسبوعيا لكليهما.
يبرز سؤال مشروع حول الحكمة من الحملات الدعائية المكثفة، وما إذا كان عدم الاستئثار بكل وسيلة إعلامية أفضل جدوى والتركيز على بعض الوسائل الرئيسة عوضا عن ذلك، كشبكات التلفزة الأربع الكبرى. يتجاوز هدف الحملة الدعائية مجرد التواصل مع الناخب المحتمل، والذي باستطاعتها كسب وده بثمن بخس، وطموحها بمراعاته وتحفيز مشاعره الوطنية للتصويت الى جانب مرشحها ليس إلا.
التنوع الواسع في وسائل الإعلام الاميركية يقتضي تخصيص أموال هائلة للمضي في حملة منسقة على المستوى القومي، وفي ذات الوقت يتيح التنوع الفرصة لتحديد شريحة انتخابية محددة كهدف للحملة الدعائية.
على سبيل المثال، باستطاعة رومني مخاطبة شريحة حملة السلاح مباشرة والطعن في خصمه اوباما لرغبته في فرض قيود على ملكيته بالتوجه عبر محطة الهواء الطلق، التي حصرت جمهورها في شريحة تمارس رياضة الصيد وحمل السلاح. أما إن راودت رومني الرغبة للتواصل مع شريحة المحاربين القدامى ولفت أنظارهم للتخفيضات المالية على امتيازاتهم من إدارة الرئيس اوباما، بإمكانه حينئذ مخاطبتهم عبر محطة تبث برامج تاريخية أو برامج عسكرية.
بالمقابل، باستطاعة الرئيس اوباما التواصل المباشر مع شريحة الاميركيين ذوي أصول افريقية عبر قناة «السود للترفيه» الشهيرة؛ أما القضايا التي تهم المرأة فمن الأنسب التوجه بمخاطبتها عبر محطتي «اوكسجين» و «لايفتايم.»
على الرغم من أن الدعاية الموجهة، كما ورد سابقا، باهظة الكلفة إلا أن مردودها أعلى. وكما أسلفنا، فمعدل تكرار الدعاية هو 7 مرات في الوسائل التقليدية قبل بدء لفت الانتباه إلى فحواها، حينئذ تبرز أهمية الدعاية الموجهة للتواصل المباشر مع الناخب وبسرعة أكبر من الأولى. قد لا يكترث حامل السلاح لفقرة دعائية حول قضايا تخص المرأة، ويحول انتباهه إلى قضية تخص اقتناء السلاح ومادة التعديل الثانية للدستور الاميركي – التي تشرعن حمله.
وعليه، فنتيجة استراتيجية التوجه مباشرة لقطاعات معينة من الناخبين هي كلفتها الباهظة. فيما يخص الرئيس اوباما، تواجه الجهود المبذولة لحشد قطاع السود الاميركيين للمشاركة الشاملة في الانتخابات انخفاض قابليتهم للمشاركة. إذ أتت المشاركة المكثفة في انتخابات عام 2008 بدافع الانبهار أمام ترشيح أول شخص ذي بشرة سوداء لمنصب الرئيس، أما حقيقة الواقع الراهن لا تدل على توفر حوافز ومغريات كافية للمشاركة العالية. تجدر الإشارة إلى أن أكبر المنظمات السوداء، المنظمة القومية لتقدم الملونين، بادرت عام 2000 لإرساء برنامج يحث السود على مشاركة أكبر في القضايا الاميركية، ومنها الانتخابات، وتوصلت إلى نتيجة أن تكلفة كل صوت إضافي تبلغ نحو 158 دولارا.
يجيب هذا الأمر جزئيا على التكاليف الباهظة لحملات الانتخابات الرئاسية، والتي تصاعدت تدريجيا لتصل إلى نحو 7 مليار دولار للسنة الراهنة. إذ يتعين على المرشح التواصل المباشر مع ملايين الناخبين واستنباط وسائل متعددة لتحقيق الأمر، ومن ثم إقناعهم بأن المرشح المعني هو الأفضل لشغل المنصب الأول، وتحفيزهم على ديمومة الحماس للمشاركة الواسعة يوم الانتخابات.
أجرى كاتب بريطاني يعمل مع مؤسسة هفنغتون الصحافية مقارنة بين تكلفة الانتخابات في بريطانيا واميركا، استنادا الى الوثائق المتاحة، وخلص بالاستنتاج أن تكلفة الانتخابات الرئاسية لعام 2012 قد تتعدى 7 مليار دولار «التي تنفق راهنا هباء على الأثير،» مقارنة بالانتخابات البريطانية التي بلغت تكلفتها 48 مليون دولار. وأضاف أن الولايات المتحدة تنفق نحو 30 ضعفا من الأموال على حملة المرشحين مقارنة بما ينفق عليها في بريطانيا؛ وأن الرقم الهائل (7 مليار دولار) يوازي الناتج الإجمالي السنوي لدولة زيمبابوي.
• عن التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الأميركية