الرجعية العربية في ذروة تآمرها

الرجعية العربية في ذروة تآمرها

يمكن القول إن القرار في الجامعة العربية هو محصلة القوى الرئيسية المكونة للنظام الرسمي العربي. فكلما ازداد الاستقلال النسبي لأنظمة الدول الرئيسية في الجامعة عن المركز الإمبريالي الغربي، كانت قراراتها تعبيراً أقرب إلى الاتجاه الذي يخدم قضايا وشعوب المنطقة العربية. وكلما ازدادت تبعية هذه الأنظمة للمركز الإمبريالي جاءت قراراتها في الاتجاه الذي يخدم مصالح الطبقات الحاكمة والمالكة وفي خدمة المشروع الاستعماري أياً كان نوعه.

في مرحلة تأسيس الجامعة العربية  عندما كانت دولها تحت الاستعمار المباشر كان أداء الأنظمة الرسمية يتناغم مع مشروع الاستعمار، فجاء مشروع قرار تقسيم فلسطين والهزيمة النكراء المفتعلة بأجزاء كبرى منها في حرب الإنقاذ 1948 .

في مرحلة الاستقلال السياسي والدول الوطنية:

جاءت بعض القرارات التي تميل إلى مصلحة الشعوب العربية، فكانت قمة الخرطوم واللاءات الثلاث وصولاً إلى حرب تشرين ومشاريع التنمية الاقتصادية على مستوى المنطقة، وكان الصراع بين المكونات الرئيسة في الجامعة، مصر وسورية من جهة ومحور الخليج الرجعي بزعامة السعودية في الجهة المقابلة، يميل إلى  مصلحة الدور التقدمي الذي كانت تلعبه كل من مصر وسورية.

بعد انسحاب مصر من الصراع العربي الصهيوني وضرب دورها التقدمي في الصراع، والاستفراد بسورية، ومنح محور الخليج مزيداً من الدعم، بدأت الجامعة العربية تلعب دوراً سلبياً كبيراً لتجسد دور النظام الإقليمي الأكثر رجعية. أفرزت هذه الفترة مبادرة «السلام العربية» التي طرحتها السعودية في قمة بيروت 2002 والتي كانت مبادرة استسلام لا أكثر.

مرحلة سورية وقوى المقاومة:

 لم يبق من يدافع عن قضايا المنطقة  في أروقة الجامعة سوى الدور السوري الذي خسر مصر، فركز على ورقة المقاومة الشعبية في لبنان وفلسطين. كان هذا الدور رادعاً لمشروع الرجعية العربية الخليجية، ووصلت ذروة التوتر بين المحورين إلى درجة القطيعة بعد انتصار  تموز 2006  وصمود غزة 2008، وقبلها كان تحرير الجنوب في عام 2000 وانتفاضة الأقصى الثانية  في أيلول من العام نفسه حيث كانا مؤشرين هامين على دور المقاومة في تنامي دور المحور التقدمي.

لكن ماحصل بعد عام 2006 من عودة الانفتاح السياسي التدريجي على السعودية والخليج من قبل السوريين مدفوعاً إلى ذلك بسبب عملية لبرلة الاقتصاد السوري وتبني قوى الفساد في جهاز الدولة لمشروع الانفتاح على  الغرب مما خلق تبريراً للانفتاح السياسي، أسهم بنكوص هذا الدور وبالتالي تُركت الجامعة العربية لسيطرة القوى الرجعية فيها.

الأزمة السورية:

جاء البيان الختامي لمؤتمر القمة المنعقدة في الدوحة يوم 26 آذار حول سورية ليعكس التوازن الجديد في هذه المؤسسة، حيث أكدت على: «أهمية الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي كأولوية للأزمة السورية مع التأكيد علي حق كل دولة وفق رغبتها تقديم جميع وسائل الدفاع عن النفس بما في ذلك العسكرية... والترحيب بشغل «ائتلاف الدوحة» مقعد الجمهورية العربية السورية، والدعوة لعقد مؤتمر دولي من أجل إعادة الإعمار وحث المنظمات الإقليمية والدولية على الاعتراف بالائتلاف الدوحة ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري.».!

أي أن القرار على مستوى الجامعة جاء ليعبر عن الميزان الجديد في داخلها والذي عكس تقدم القوى الرجعية الخليجية وهيمنتها على القرار، ولم يعكس هذا القرار الميزان العالمي الحالي، حيث لايزال الدور الروسي والصيني الجديد غائباً عن أروقة الجامعة كون التراجع الإقليمي الحالي لسورية حليفة هذه القوى الدولية جاء لمصلحة القوى الرجعية المتحالفة تاريخياً مع الغرب والأمريكيين.

القمة والقضية الفلسطنية:

جاءت الدعوة إلى المصالحة الفلسطنية برعاية قطرية-مصرية كخطوة  تهدف ليس للمصالحة، بل لتهيئة الظروف لقبول تسوية يحضرلها الأمريكيون من خلال إعادة رسم خريطة المنطقة على المقياس الديني المذهبي بحيث أن لا تقوم قائمة لشعوب المنطقة، ومن نص البيان: «نشيد بالدور الذي تقوم به لجنة مبادرة السلام العربية برئاسة دولة قطر والجهود التي تبذلها....للتوصل إلى حل من خلال إطلاق مفاوضات جادة....تؤدى إلى إقامة السلام العادل والشامل في المنطقة!.

العجز العربي واضح تماماً من حيث عدم قدرته على فرض شروط التسوية على الصهاينة وهو غير قادرعلى دعم المقاومة الفلسطنية ضد الاحتلال، بل يتبنى خيار المفاوضات الهزلية، بينما تصل «الرجولة» إلى أعلى مستوى حين يدفع العرب لاقتتال السوريين، ويمرر مشروع يسمح للدول العربية وغيرها بإرسال السلاح والأفراد إلى سورية رافضين الحوار بين السوريين، بينما يطالبون بالحوار والتفاوض مع المستعمر والمغتصب للأرض العربية.