الطائفية اللبنانية.. الفتيل المشتعل دوماً

الطائفية اللبنانية.. الفتيل المشتعل دوماً

«...ولمّا كان نسيج الشعب اللبناني يمتاز بالتنوّع الطائفي والمذهبي، وقد حرص الدستور اللبناني على حفظ حصص الطوائف في توزيع مقاعد المجلس النيابي ومجلس الوزراء ووظائف الفئة الأولى ، كما تكفل العرف الدستوري في حصر مناصب رئيس الجمهورية ورئيسي البرلمان والحكومة لطوائف محدّدة...»

ببساطة، هذه هي السياسة في لبنان...و اتفاق «الطائف» هو الذي وضع هذه الأسس للحياة السياسية في لبنان منذ عام 1989، وحتى اليوم يعيش شعب لبنان مآسي ومخاطر هذه القسمة والتوازن الهش القابل دوماً للتسخير في توجيه مصير البلد وفق توازنات زعماء «الطائف»... وما يحدث اليوم من  «معارك» واستعراض للعضلات هو المشهد القديم – الجديد الذي تعوّده اللبنانيون، يغلفه زعماء النظام الطائفي بالتخويف من الفراغ السياسي الناتج عن استقالة الحكومة وما قد ينتج _ حسب الإدعاء الطائفي ذاته _ من مخاطر أمنية، بالتالي تكتمل «الحجة» في ضرورة إجراء انتخابات برلمانية لسد الفراغ وتشكيل حكومة جديدة، وتظهر المعركة الآن حول القانون الذي يجب اعتماده لإجراء الانتخابات وفقه.

بدائــل الطوائـــف

يظهر بشكل رئيسي مشروعا قانونين مقترحين حالياً، هما مشروع القانون المعتمد على «قانون الستين»، ومشروع القانون المعتمد على ما سمّيَ بـ«اللقاء الأرثوذوكسي». لن ندخل في تفاصيل المشروعين لكن لنوضح الفرق الأساسي بينهما.

«قانون الستّين» هو الذي ينص على أن يقسم لبنان إلى 26 دائرة انتخابية، وفي كل دائرة يتم اقتسام الحصص حسب الطوائف وذلك لأن مجلس النوّاب هو أساساً مقسم مناصفة بين «المسلمين» و «المسيحيين» وكل قسم مقسّم إلى طوائفه وبحسب تعداد أفراد كل طائفة يكون لها مقاعد في المجلس.. بشكل مختصر فإن قانون الستّين يعني: تقسيم الشعب اللبناني

الذي لا يتجاوز عدد سكانه الــ 4.5 مليون إلى 26 منطقة جغرافية، وفي كل منطقة يقسّم اللبنانيون مرة أخرى إلى 12 قسم وهو عدد الطوائف المحتسبة ضمن العملية الانتاخبية..! طبعاً يحق للمواطن اللبناني من أية طائفة كان أن ينتخب المرشح الذي يريد حتى ولو كان من طائفة أخرى لكن بشرط أن يكون ضمن الدائرة الانتخابية المعنية وضمن قوائم التحالفات والتقسيمات المقيتة...

أمّا «القانون الأرثوذوكسي» فهو يقوم على اعتبار لبنان كاملاً دائرة واحدة، أي دون تقسيم مناطقي مبدئياً، لكنه يعتمد التقسيم الطائفي ليس فقط ضمن المجلس البرلماني وإنما يقوم على أن ينتخب المواطن اللبناني من طائفة ما إبن طائفته المرشّح فقط... بكلام أبسط لا يستطيع مواطنان لبنانيان يحملان الهمَّ نفسه والمطالب والاحتياجات ذاتها لكنهما من طائفتين مختلفتين، لا يستطيعان انتخاب المرشّح ذاته، وقد لا يستطيعان انتخاب المرشح الذي يمثلهما حقاً إن كان هو من طائفة ثالثة...!

طبعاً يتخلل القانونين تفاصيل حول حالات احتساب للنسبية وأخرى لللأكثرية وتحديد الجهات الرقابية وغيرها من التفاصيل الإجرائية التي لن تؤدي إلا لتثبيت سلطة زعماء الطوائف ذاتهم وتقاسمهم لثروة البلد والتحكم بمصير الناس..

المعركــة «الغوغــاء» والضحايـــا

يجري الحديث عن إمكانية التوصل إلى توافق على صياغة بين القانونين، القانونين اللذين لا يختلفان شيئاً عن بعضهما البعض إلا في كيفية تقسيم الشعب اللبناني. لكن المهم هو المعركة ومايحيطها من غبار يعمي الرؤية عن الجوهر، فالضجيج كله حول خطورة بقاء الفراغ السياسي و«بعبع» الاقتتال والرصاص، ودقّ «ناقوس الخطر» من «انزلاق» لبنان إلى ما يخافه بشدة كل لبناني، يؤشر إلى مقدمات الصدام الأهلي الذي يعززه انغماس العديد من القوى اللبنانية في الحدث السوري!. وبناءً عليه تؤجل كل المطالب والهموم، توقف «سلسلة الرواتب والرتب» إلى حين حلّ الأزمة المستعصية وهي _أي السلسلة_ تمثّل الهم المطلبي الأول لأغلب شرائح المجتمع اللبناني الاجتماعية والمهنية والنقابية، وتبقى المسائل الأمنية معلّقة رغم أن الفتيل المصطنع للتفجير يكمن فيها ويتحرك من خلالها، لكن ما همّ، كل ذلك سيؤجل حتى حسم معارك الاقتسام والمحاصصة.