دروس الجلاء والخروج الآمن من الأزمة
لعل أكبر ما يوحد الشعب - أي شعب - هو الدفاع عن الوطن ضد المحتل ومن والاه في السر والعلن. وما أحوجنا اليوم إلى استيعاب هذا الدرس دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن
ها قد مضى سبعة وستون عاماً على خروج المستعمر الفرنسي من بلادنا، وكان ذلك نتيجة ربع قرن من الكفاح الوطني-الشعبي المستمر من شمال سورية إلى جنوبها ضد الغزاة، لم يأبه خلاله الثوار إلى الفارق الهائل في ميزان القوى العسكرية-عدة وعدداًبينهم وبين الجيش الفرنسي الخارج منتصراً من الحرب العالمية الأولى!
حقق الشعب السوري بعد معركة ميسلون في 24/ تموز/1920، التي قادها البطل وزير الحربية يوسف العظمة ورفاقه، نصراً معنوياً منذ اللحظة الأولى، تحول فيه الاستشهاد دفاعاً عن الأرض إلى ولادةٍ لخيار المقاومة الشعبية على مساحة كل البلاد تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع) وكان هذا الدرس الأكبر نحو تعزيز الوحدة الوطنية، وبدء الفرز بين الوطني واللاوطني.
أما الدرس الثاني يكمن في أن مأثرة يوسف العظمة ورفاقه الشجعان، نقلت راية الكفاح الوطني إلى أيدي العشرات من القادة الوطنيين في كل المحافظات والذين بادروا إلى توحيد الصفوف وإعلان النفير العام، وإطلاق الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي، والتي قادها سلطان باشا الاطرش ورفاقه من القادة الأبطال أمثال: الشيخ صالح العلي، ابراهيم هنانو، د.عبد الرحمن الشهبندر، أحمد مريود، الشيخ محمد الاشمر، سعيد العاص، محمد سعيد آغا الدقوري، رمضان باشا شلاش، عقلة القطامي، وغيرهم الكثير.
وهناك مأثرة كبرى لا يمكن الإحاطة بمعاني الجلاء ودروسه دون الوقوف عندها، ألا وهي قرار حامية البرلمان من الدرك السوري يوم 29/أيار/1945 «رفض أداء التحية للعلم الفرنسي وكان قرارهم أشبه بما فعله القائد الشهيد يوسف العظمة في تموز 1920.
لم يستشهد حماة البرلمان الثمانية والعشرون إلا دفاعاً عن الوطن وكرامة سورية دون فتوى من أحد ودون تقسيم مذهبي أو مناطقي، لأنهم حماة الديار ويمثلون كل أبناء سورية بلا استثناء.
ولابأس من التذكير بموقف الحكومة السورية برئاسة فارس الخوري ومجلس النواب برئاسة سعد الله الجابري يوم 24/5/1945 رداً على قرار السلطات الفرنسية في 23/5/1945 (أن من واجب فرنسا ضرب عناصر الشغب التي تحاول إخراج فرنسا من سورية ولا بد من تجريد السوريين من جميع الأسلحة النارية والسلاح الأبيض خلال 48 ساعة).
عند ذاك أقر البرلمان قانوناً يلزم الحكومة بدعوة جميع السوريين ما بين سن الثامنة عشرة حتى الستين القادرين على حمل السلاح أن يسجلوا أسماءهم لدى قيادة الدرك بصفتهم حرساً أهـلياً لاستخدامهم عند الاقتضاء!
مما تقدم– وهو غيضٌ من فيض– ليس هناك أهم من إعادة الاعتبار لخيار المقاومة وتحرير الجولان كأولوية وطنية من الدرجة الأولى، وكقاعدة انطلاق لخلق وحدة وطنية صوانية ترتكز على مقاومة الاحتلال وحماته وعملائه دولياً وعلى مستوى الإقليم وفي الداخل أيضاً.
وإذا كان من نافل القول إن قوى الفساد في الداخل هي أحد أهم بوابات العبور للعدوان الخارجي بشكليه المباشر وغير المباشر بسبب ارتباط مصالح الفاسدين بالخارج، فإن آخر ما يناسبها هو أن يصبح الفرز في الشارع على أساس مشروعين: وطني أو لاوطني، وهنا لابد من التذكير أيضاً بدروس حرب تشرين وحرب الاستنزاف وكيف تعززت في تلك الفترة روح الكرامة الوطنية، لأن البوصلة آنذاك كانت تتجه نحو تحرير الأرض ومقاومة الاحتلال... والشهداء كانوا يروون أرض الوطن في المكان والزمان المناسبين ولم يكن هناك في الشارع من يسأل لماذا أو كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟ كما هو حال الناس اليوم.
الوطن في خطر حقيقي أكثر من أي وقتٍ مضى والأزمة الوطنية تزداد تعقيداً، حيث يتداخل فيها الدولي والإقليمي والداخلي ولا تنفع معها شعارات «الحسم أو الإسقاط» التي لم تزد الوضع إلا تعقيداً واستمراراً لسفك الدماء...
من هنا لابد من إجراءات مستعجلة للخروج الآمن من الأزمة ، وقد تكلمنا عنها في كل وثائق ومواقف حزب الإرادة الشعبية ومن بينها قضية تحرير الجولان والاستفادة من دروس الجلاء بحيث يعاد الفرز في الشارع إلى سكته الصحيحة. وبذلك فقط يمكن مواجهة خطري التدخل الخارجي والفتنة الداخلية.
هناك مقولة تزداد رسوخاً في مجتمعنا الآن وهي «إن أكثر ما يوحد الشعب السوري الآن هو الموقف ضد «إسرائيل» وضد قوى الفساد داخل النظام وخارجه»!