الهند وخطر الشركات الغربية
كولين تودهانتر كولين تودهانتر

الهند وخطر الشركات الغربية

تشكّل اتفاقية التجارة الحرة المزمع عقدها بين الهند والاتحاد الأوروبي والتي تُعرف اختصاراً بـ (FTA) خطراً كبيراً يصل حدّ التسبب بإعادة هيكلة جذرية للمجتمع الهندي، ناهيك عن تأثيرها على حياة مئات الملايين من المواطنين الهنود. حيث تجري مناقشة هذه الاتفاقية من ممثلين سياسيين عن كلا الطرفين ممن يتحدثون - زوراً - باسم الشعب، والذين ينتهجون سياسةً اقتصاديةً ليبرالية شبيهةً بتلك التي تسببت -من قبل- بإفلاس العديد من المجتمعات الغربية

وقد شملت المفاوضات بين الطرفين – التي بدأت عام 2007 – مجالاتٍ واسعة شملت أنواعاً عديدة من البضائع والمنتجات والخدمات إضافةً إلى قوانين الاستثمار والمشتريات الحكومية وحقوق الملكية الفردية. ومازالت البلدان «المتقدمة» تلجأ مجتمعةً أكثر فأكثر لأسلوب الاتفاقات التجارية الثنائية مع دول «نامية» متفرقة لرغبتها في دفع تسويق أجنداتها التي تم رفضها من الدول النامية في منظمة التجارة العالمية.

إن هذه الاتفاقية تمثّل بشكل أساسي مطالب الشركات التجارية الكبرى في الغرب، وتصبّ في مساعيها الاستراتيجية التي ترمي إلى السيطرة والهيمنة على السياسات والسياسيين الحكوميين، وفي الوقت الذي تغرق فيه الاقتصادات الغربية في أزماتها، فإن الهند تبدو كغنيمةٍ جاهزة للأطماع الربحية اللامتناهية للشركات العابرة للقارات.

النيوليبرالية تعصف بالفلاحين

إن الاتحاد الأوروبي يعاني من مشكلة فيض إنتاج في قطاع الألبان لديه، لذلك فإنه يبحث عن تفريغ هذا الفائض عبر ضخ منتجات منه في أسواق الدول الأخرى، الأمر الذي يؤدي بدوره لنتائج سلبية على أسعار المنتجين والعوائد في تلك الدول.

ومن الجدير بالذكر هنا أن قطاع الألبان في الهند يتمتع – بمعظمه – بحالةٍ من الاكتفاء الذاتي، كما أنه يُوظّف نحو 90 مليون عاملاً 75 مليوناً منهم من النساء العاملات. لذا، فإن هذا القطاع يُشكّل «باب رزقٍ» للمزارعين الصغار والفقراء المُعدمين كونه مصدراً أساسياً من مصادر الدخل للملايين من العائلات الهندية.

ويتساءل هنا أحد الناشطين في لجنة التنسيق التابعة للحركة الفلاحية في جنوب الهند عن مدى مصداقية ادعاء الحكومة بأنها ستحمي قطاع الألبان لديها، ويبدو هذا التساؤل مشروعاً بالنظر إلى هوسها – الحكومة – بالاستثمارات الغربية وتوجهاتها النيو لبيرالية.

بشكل عام، فإن أرباح الشركات الأوروبية ستكون هائلة في حال تمكنت من طرح منتجاتها والحلول – مؤقتاً – محلّ المنتجين والمزارعين المحليين. كما أن الاتحاد الأوروبي يسعى تحت مسمى «التجارة الحرة» لدفع الهند باتجاه إزالة القيود التي تفرضها على وارداتها، مما سيؤدي – لو تم – إلى عجز المزارعين الهنود عن منافسة الشركات الزراعية الأوروبية التي ستجتاح قطاع الزراعة الهندي معززةً بإمكانياتها المتقدمة. إن من المُفترض أن تتم التجارة الحرة بين نظيرين متعادلين من حيث القدرة والإمكانيات، إلا أن هذه الاتفاقية تتناقض بشكل كبير مع هذا المفهوم لعدم وجود حالة من التنافس العادل بين طرفيها.

منع التقدم التقني

إن أحد الأهداف الأخرى التي ينشدها الأوروبيون من خلال هذه الاتفاقية هو تأمين حماية أفضل لشركات التقنيات الحيوية التابعة لهم. وتتجسد هذه الحماية بتعزيز حقوق الملكية القكرية لهذه الشركات، الأمر الذي سيسمح لها ببيع بذورها الزراعية في الهند بالسعر الذي تريده. إضافةً إلى حرمان المزارعين الهنود من تبادل البذور أو الاحتافاظ بها. إن المزارعين الهنود الآن – وقبل عقد الاتفاقية – مديونون، ويقوم بعضهم أحياناً بتنفيذ عمليات انتحار جماعي نتيجة معاناتهم الكبيرة التي تعود لأسباب كثيرة كالارتفاع الهائل في أسعار كل من المنتجات المعدلة وراثياً والضرورية لعملية الزراعة من جهة، والحبوب التي تبيعها الشركات الخاصة من جهة أخرى. 

وتمتد سلسلة المطامع التي يصبو إليها الأوروبيون عبر هذه الاتفاقية لتصل إلى مجال الاستثمارات، حيث أنهم يخططون لـ «تحرير» كل من قوانين الاستثمار والخدمات الاقتصادية والمصرفية. مما سيمكّن البنوك الأوروبية والشركات المالية الغربية من الدخول إلى السوق الهندية. ووفقاً لبعض المصادر المطّلعة، فإن المستثمرين الأوروبيين سيحصلون – عند إبرام الاتفاقية – على الأفضلية في استخدام المصادر الطبيعية كالأرض والمياه والمناطق الساحلية بشكل يفوق ما هو ممنوح للسكان المحليين.

وفي حال تم تحرير قوانين الاستثمار هذه، فإن هذا سيكون بمثابة عامل مساعد في إتمام السيطرة على الأراضي الزراعية وعملية الإنتاج والتحويل بأسرها بدءاً من المحاصيل الغذائية وصولاً «للمحاصيل» النقدية الموَجّهة.

في الوقت الذي ترزح فيه بلدان عديدة حول العالم تحت وطأة أزمةٍ مالية تسببت بها البنوك الخاصة، فإن ما يلزم حقيقةً هو التنظيم الاقتصادي لا اللبرلة الاقتصادية.

القضايا الوطنية وتحرير التجارة الخارجية

في خضمّ كل هذا النقاش الدائر حول الاتفاقية، تبرز إلى السطح قضايا السيادة الوطنية والاكتفاء الذاتي ورعاية وصون الديمقراطية والاقتصاد المحليين، والتي تضمن للناس حقهم في إدارة شؤون حياتهم وكيفية الإعداد لمستقبلهم. واتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والهند تمثل بحق تهديداً بالغ الخطورة لكل القضايا والمفاهيم الآنفة الذكر.

قد يضع البعض ما تحدثنا حوله تحت مسمى «العولمة»، لكن دعونا نُسَمِّ الأمور بمسمياتها الحقيقية : إنها الإمبريالية. حيث لم تتوقف النخب الحاكمة الكبرى في العالم عن زيادة وتوسيع استغلالها للقوى البشرية العاملة، إضافةً إلى استمرارها في سياسة تدمير والسيطرة على المجتمعات والاقتصادات المحلية. وفي هذا الإطار تأتي المرحلة التي بدأ فيها قادة الهند السياسيون بالتحدث عن أهمية فكرة «التحرير الاقتصادي»، إضافةً لعملهم على زيادة وتوسيع نفوذ «السوق» على حساب الدولة. حيث يمكننا اعتبار تلك المرحلة كإشارة بدء لتدمير المجتمع الهندي على يد الشركات العملاقة العابرة للقارات.

إن كل ما سبق يتركنا أمام سؤالين اثنين :

1) هل تولد الديمقراطية عبر التبعية العمياء لأجندة الشركات التي لا تهتم إلا بزيادة أرباحها ؟

2) أين المنطق في إعطاء اللصوص مفتاح منزلك ؟
عن موقع : (دراسات العولمة  Globalresearch.ca)